قصة استشهاد التابعي الجليل .سعيد بن جبير رضوان الله عليه
كان الحجاج جالساً في قصره الكبير و حوله الحرّاس "
كان الحجاج يحب أن يشاهد بنفسه قتل الناس و ينظر إلى دمائهم و هي تنزف .
لهذا عندما أُدخل سعيد بن جبير ، كان كلّ شئ جاهزاً . فالجلاّد كان واقفاً ينتظر الإشارة .
دخل سعيد بن جبير في القصر المملوء برائحة الدم . لم يشعر سعيد بالخوف لأنّه كان مؤمناً بالله و اليوم الآخر .
سأل الحجاج عن اسمه فقال :
ـ سعيد بن جبير .
فقال الحجاج :
ـ بل شقيّ بن كسير .
قال سعيد :
ـ امي أعلم باسمي و اسم أبي .
ـ شَقيتَ و شقيتْ اُمك .
ـ لا يعلم الغيب إلاّ الله .
سكت الحجاج ثم صفق بيده .
فجاء بعض الهزليين و قاموا بحركات مضحكة .
قهقه الحجاج بصوت عالٍ و ضحك الحاضرون ، غير ان سعيد ظلّ ساكتاً .
سأل الحجاج :
ـ لماذا لا تضحك ؟
فقال سعيد بحزن :
ـ لم أرَ شيئاً يضحكني ، و كيف يضحك مخلوق من طين و الطين تأكله النار .
قال الحجاج :
ـ فأنا أضحك .
ـ كذلك خَلَقَنا الله أطواراً !
أمر الحجاج أن يحضروا له الخزانة .
أحضر الحرّاس صندوقاً كبيراً مليئاً بالذهب و الفضة و الجواهر .
راح الحجاج يصبّ أمام سعيد قطع النقد الذهبية و الفضية و الجواهر الثمينة .
سأل الحجاج :
ـ ما رأيك بهذا ؟
فقال سعيد و هو يلقنه درساً :
هذا حسن إن قمت بشرطه .
سأل الحجاج :
ـ و ما هو شرطه .
ـ تشتري به الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة .
مرّة أُخرى سكت الحجاج أمام منطق سعيد .
التفت الحجاج إلى الجلاّد و أشار بقتله .
تقدّم الجلاّد نحو التابعي الجليل .
توجّه سعيد نحو الكعبة بقلبٍ مطمئن . طلب أن يصلي ركعتين قبل إعدامه ، توجّه نحو الكعبة و قال :
ـ وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفاً مسلماً و ما أنا من المشركين .
صاح الحجاج :
ـ احرفوه عن القبلة .
دفعه الجلاّد إلى جهة اُخرى ، فقال سعيد :
ـ أينما تولّوا فثم وجه الله .
صاح الحجاج :
ـ اكبّوه إلى الأرض .
فقال سعيد :
ـ منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارةً اُخرى .
صرخ الحجاج بحقد :
اضربوا عنقه .
و هنا توجّه سعيد إلى السماء و دعا الله عزَّ و جَلَّ قائلاً :
ـ اللهم لا تترك له ظلمي و اطلبه بدمي و اجعلني آخر قتيل يقتله من اُمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
و كان هذا الدعاء الوحيد الذي دعا به سعيد على إنسان بعد وصية والدته له .
هوى الجلاّد بسيفه الغادر علىعنق سعيد فسقط الرأس فوق بلاط القصر .
و هنا حدث أمر عجيب . عندما نطق الرأس قائلاً :
ـ لا اله إلاّ الله .
راح الحجّاج ينظر إلى تدفّق الدماء بلا انقطاع فتعجّب من كثرة الدم .
التفت إلى الطبيب تياذوق ، و سأله عن السرّ في ذلك .
فقال الطبيب :
ـ ان كل الذين قتلتهم كانوا خائفين ، و كان الدم يتجمّد في عروقهم ، فلا ينزف منه إلاّ القيل .
امّا سعيد بن جبير ، فلم يكن خائفاً ، و ظلّ قلبه ينبض بشكل طبيعي .
لقد كان قلب سعيد مملوءاً بالايمان ، و لهذا لم يخف من الموت ، فرحل إلى الله شهيداً و كان سعيداً كما سمّاه أبواه .
مصير الجلاّد
اختلّ عقل الحجاج بعد هذه الجريمة ، و كان يرى كوابيس مخيفة في نومه فكان يهبّ من نومه مرعوباً و يصيح :
ـ مالي و لسعيد بن جبير .
لم يعيش الحجاج بعد هذه الجريمة سوى خمسة عشر يوماً ثم مات .
لقد استجاب الله دعا ذلك الشهيد ، فكان آخر من قتله الحجاج في حياته السوداء الحافلة بالجرائم و الظلم .
و عندما فتحت أبواب السجون وجدوا فيها خمسين ألف رجل و ثلاثين ألف امرأة و طفل .
لقد مات الجلاّد و الضحية في نفس العام ، و أضحت قصّتهما عبرة للأجيال . فالتاريخ يذكر سعيد بإجلال ، امّا الحجاج فلا يُذكر إلاّ باللعنة مدى الأيام