بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
ليس الجمال بنوع ثوبٍ يرتدى *** فالثوب لا يعطي النفوس جمالا
لكن ما هو في فؤادٍ طاهرٍ *** عرف الحياة فضيلة وكمالا
كيف لنا أن نغفل عن هذا الجمال الروحي ؟ والذي وهبه لنا الله سبحانه وتعالى ، وهذا الجمال الطاهر العفيف والذي يَحُولُ بين السواد والبياض ، وبين الصباح والمساء ، وبين الفجر والعِشِيّ ، ثم لا نلبث أن ننسى أو – نتناسى - ما لهذا الجمال المتلائم الناصع من قدراتٍ هائلة على جذب القلوب والألباب . نعم ، فالجمال الظاهري لا يكتمل إلا بالجمال الخُلُقي ، وكم من قبيح جملته أخلاقه ومناقبه ، وكم من صارخ الجمال قبحته خصاله وأخلاقه. يقول إيليا أبو ماضي محذراً أولئك المخدوعين بالجمال الظاهري الباحثين عنه :
أنا لا تغشني الطيالس والحلا *** كم في الطيالس من سقيمٍ أجربِ
عيناك من أثوابه في جنةٍ *** ويداك من أخلاقه في سبسبِ
فبالعلم والخلق والعفة والأدب الرفيع تسمو الشمائل ، فالمرأة جميلة بعفافها ، وبصونها ، وحيائها ، و
أفليس هذا أولى بنا نحن معشر النساء ؟! فلنتذكر أن جمال الإنسان في حيائه وأدبه وعلمه ، فليس الجمال بمن كان خاوياً من الداخل - ليس من الناحية الأخلاقية فحسب - بل من الطباع الإنسانية ، إنما الجميلة هي كمن قال فيها شاعرنا ابن الرقاع :
لها حكم لقمان ، وصورة يوسف *** ومنطق داوود ، وعفة مريم
وهي التي جمعت كل هذه الصفات في نفسٍ واحدة ، فأبت الخنوع،وكانت وردة متفتحة وسط الأشواك، إذن حتى نصل إلى هذه الدرجة علينا أن نتبع " قاعدة التناسب " ، وهي تتبنى على أصل فلسفي وروحي وهو أن الجمال لا يكون منحصراً بالجمال الحسي ، بل يهم الجمال المعنوي أيضاً ، ودليله هو أن أفراد البشر عندما يشاهدون شخصاً متحلياً (بالأخلاق المتناسبة) تظهر منهم تلك الحالة من التفاعل التي تظهر أمام الجمال، أي يعشقونه نوعاً خاصاً من العشق،لماذا يعشق الناس أولياء الله؟لا يمكن أن يحصل الحب دون الجمال. وفي قراءة عما نقله (ول ديورانت) في كتاب (مباهج الفلسفة) كلمة عن أفلاطون ، يقول :
" إن الذكاء ليس عملاً ذكياً (ونحن لا نسمي كل فعلٍ يصدر عن الذكاء ذكياً) وإنما هو جمال وتناسق بين العوامل الخلقية لدى الفرد ، وبعبارة أخرى: إن الذكاء معناه حسن التركيب ولطافة الترتيب في السلوك الإنساني، إن الخير المطلق ليس في حدة الذكاء أو القدرة، بل هو عبارة عن اتساق الأجزاء وتناسبها مع الكل ، سواء في الفرد أو المجتمع وهي جملة جيدة جداً، وهذا أيضاً بيان لمعيار الفعل الخلقي،ويرجع عامل إجرائها أيضاً إلى حس حب الجمال في الإنسان مع الإلتفات إلى هذه النقطة، وهي أن حس الجمال في الإنسان ليس منحصراً ومحدوداً في الجمال الحسي والجمال الجسماني"
وكذلك هذا البيت أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يقول :
ليس الجمال بأثوابٍ تزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدب
فما أروعها من أبيات تنطق بحكمٍ جليلة ، لكن كم من الناس غابت عنهم هذه الحكم ؟ ولونظرنا إلى العالم اليوم لوجدنا أن ما يحدث هو عكس هذه الحكم ، ففي وقتنا هذا نرى أن المظاهر الكذابة هي السائدة ، وأصبحت قيمة الشخص بمقدار ما يمتلكه من مالٍ أو جمالٍ من ثياب ، ولا يأبهون بما يملك الشخص من مشاعر وأحاسيس وأخلاق ، مع العلم أن الأخلاق هي جوهر الإنسان، وهي الأساس الذي يجب أن يُقيّم بها الإنسان، أن يفاخر الإنسان، لا بتقليد الغرب باللبس وقص الشعر تقليدًا أعمى، رغم أن الغرب يملكون من العلم الكثير الكثير، ومع هذا للأسف لم نأخذ منهم سوى ما أنزل قدرنا وجعلنا سخرية عند الدول الأخرى،
فالجمال في أمور كثيرة – تفوق الجمال الظاهري – ومنها جمال العلم والأدب والحياء والعفة والكرم ، فالجميل جميل بطبائعه وحسن معاشرته ،
، فسبحان الله كم نبخص من أنفسنا حقوقها ، وكم نشينها بما يهلكها ويصنع منها مفسدة لنا ولغيرنا ، وما لنا إلا بالدعاء لأنفسنا ، وأن نحاول قدر المستطاع العودة إلى هذا الكنز الجمالي والذي يشد إعجاب اللبيب الحاذق ،:
ليــس الجمــال بعين طرفــها الحــور *** ولا بخــد كزهــرة الروض يبتســــم
ولا بقــد كغصــن البــان معتــدل *** ولا بوجــه كبــدر التــم يبتســــم
إن الجمــال تسمــو الأنــام بـــه *** العلــم والفضــل والآداب والكــــرم
ولا يزيـــن الفـــتى إلا شــمائلـه *** من عظــم النـاس بين النـاس يحتــــرم
وصــورة المــرء مــرآة لصــاحبها *** يلــوح إليـك منـها المجــد والشمـــم
تبقــى مع الدهــر تذكــار تخلــده *** كمـا تخلــد فــي تاريخهــا الأمـــم