بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
اسم من أسماء الله جل وعلا، وكذا صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وفي الناس شيمة من شيم الأكرمين، الذين لا يتعاملون مع الناس بالعدل بل يتعاملون معهم بالفضل..
إنه اسم الله "العَفُوّ" وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي والذنوب، ويحب الستر، ويعفو عن المسيء كرماً وإحساناً.
وقد ورد اسم الله "العفُوّ" في خمسة مواضع في القرآن الكريم، اقترن فيها باسم الله "الغفور" في أربعة مواضع، واقترن فيها باسم الله "القدير" في موضع واحد..
و"العفْوُ" صفة من الصفات التي يحبها ربنا عز وجل
كما أنها في الناس شيمة من شيم الأكرمين، الذين يتغافلون عن إساءة من أساؤوا لهم أو جهلوا عليهم؛ فهم لا يعاملونهم بالعدل بل يعاملونهم بالفضل ويردُّون الإساءة بالإحسان، والجهالة بالإكرام..
ومرتبة العَفْو في الناس مرتبة وسط بين كظم الغيظ، والإحسان، كما بيَّن ذلك ربنا في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]؛ فحين يسيء إليك شخص ما، قد تكظم غيظك لكنك لم تَعْفُ عنه بعد فهذه مرتبة.
وقد تكظم غيظك وتعفو عنه وهذه مرتبة ثانية، وهناك مرتبة ثالثة أعلى منهما وهي مرتبة الإحسان لمن أساء إليك..
وأفضل ما يكون العفْو حين يكون صاحب العفْو قادراً على إنفاذ العقاب والجزاء على من أساء إليه أو أخطأ في حقه؛ فيعفو عنه..
ومن أعظم أشكال العفو، بل أعظمها عفو ربنا جل جلاله عن عباده يوم الدِّين، يوم يقوم الناس لرب العالمين
كما إنّ أهل البيت عليه السلام قد حضّوا شيعتهم ومحبّيهم على التخلُّق بصفة الإحسان إلى من أساء إليهم وظلمهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟
العفو عمّن ظلمك.
وتصل من قطعك.
والإحسان إلى من أساء إليك.
وإعطاء من حرمك"
وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يوصينا قائلاً: "كن جميل العفو إذا قدرت، عاملاً بالعدل إذا ملكت" وكذلك يوصينا الإمام الصادق عليه السلام: "اعف عمّن ظلمك كما إنّك تُحبّ أن يُعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك
ومن أسوأ أشكال العفو، وهو من شيم اللئام، أنْ يَمُنَّ صاحب العفو بعفوه على من عفا عنه، سواء بتذكيره بعفوه عنه كلما لقيه أو بذِكْر عفوِه عنه أمام الناس وفي المحافل، حتى يصل بالمعفو عنه أن يتمنى لو لم يَعْفُ عنه!!
إن أمر العفو قد يشق ويصعب على نفوسِ كثيرٍ منا، لكنه يسير على مَن يسَّره الله له..
كما أن البعض ربما يرى أنه إنْ عفا عمن أساء إليه سيُعَدّ ذلك ضعفاً وعجزاً!
ولعله بشيء من الدربة والتمرين قد يصبح العفو صفة وسمة من سمات شخصيتك فتعفو عمن أساء إليك..
ولا ريب أننا جميعاً نرجو عفو ربنا سبحانه وتعالى؛ فهلا عفونا عمن أساؤوا لنا حتى نتصف بهذه الصفة الربانية ونكون من الأكرمين؟!