ملكي-صادق
ملكي-صادق هو واحدة من أكثر الشخصيات التي أثير الجدل حول هويتها في الكتاب المقدس وخارجه؛ وما تزال المحاولات مستمرة من أجل معرفة حقيقته.
إيتمولوجيا الاسم:
"ملكي-صادق מלכי־צדק" في التوراة العبرانية يمكن أن يُترجم إلي "ملك البر (الصلاح)"، لكن هذا الاسم ربما يمثل أحد الصيغ الكنعانية القديمة التي توازي مثيليها "أدوني-صادق (يش 1:10) و أبي-مالك (تك 2:20)". وبحسب أحد المراجع يحتمل أن "صادق " ربما يكون أحد آلهة الفينيقيين وأهل سبأ، وهكذا يصبح معنى الاسم "الملك هو صادق (اسم علم للإله)" أو "صادق ملكي ".أما في الترجمة السبعينية فنُقل فالاسم مقطع واحد(Μελχισεδεκ )، وكذلك في القبطية.
في الرسالة إلى العبرانيين من العهد الجديد، وكذلك عند يوسيفوس، يفسّر الاسم ملكي بمعنى الملك أو ملكي؛ أما صيديق فتعني الخير أو العدل. وهذا التفسير يؤيده الباحثون المعاصرون لأننا نجد في مخطوطات البحر الميت ( 4Q Amran 2.3 ) التسمية النقيضة، أي ملخي-رشا ( ملك الشر )، التي تطلق على ملاك الظلمة الرئيس. اعتماداً على تفصيل مفاده أن كلمة " ملكي " تبدو وكأنها تتضمن ضمير مُلْك مفرد لشخص أول، وهو ما يعني أن معناها " ملكي "، يقول الفيلسوف اليهودي ابن ميمون إن الاسم يحتوي ما معناه، " ملكي هو صيديق "، وذلك اعتماداً على فكرة مفادها أن مدينة سالم، التي كان ملكها، تتداعى مع الصفة " صيديق " ( خير). لكن من الممكن أن ي ملكي ليست ضمير تملّك بل في موضع رفع فاعل. ورغم أن ملحقات الكلمة كحرف ي كانت قديمة ومهجورة في زمن كتابة النص كما هو مفترض، فقد كانت في أسماء العلم محفوظة أكثر. قراءة كهذه سوف تعطينا معنى " ملك الخير "، المتساوق مع التفاسير المذكورة آنفاً.
في معظم النص العبري الماصورتي يكتب الاسم في كلمتين، ملكي صادق، لكن في النسخة السبعينية، العهد الجديد، الفولغاتا اللاتينية، ونسخة الملك جيمس، يظهر الاسم بكلمة واحدة.
الباحث اللبناني البروتستانتي كمال صليبي يورد مرادفات عربية للفظ ليوحي ان كلمتي " ملكي-زيديق " يمكن أن تُفسَّر بمعنى لقمة تقدمة، وهكذا فالآية تبدأ على النحو التالي: والطعام أخرجه ملك سالم، خبز وخمر.
المضمون هنا يعني أن الملك ( سواء ملك سادوم أو سالم ) قدّم الطعام، ثم بارك أبرام وإيل عليون. وإذا كانت قراءة أولبرايت ، " ملك متحالف معه "، مقبولة أيضاً، فهذا سيتضمن بالتالي أن الكلام كله كان مع ملك سادوم.
ملكيصادق في التاناخ:
ملكيصادق؛ بالعبرية מַלְכִּי־צֶדֶֿק ، كان ملكاً وكاهناً مذكور في قصّة إبراهيم في الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين، وهو جزء من قصة طويلة تحكي كيف عاد أبرام بعد أن هزم ملك َكَدَرْلَعَوْمَرَ، ليلتقي بارع ملك سدوم، وهناك يرد التالي: [ وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا للهِ الْعَلِيِّ. إيل عليون. وَبَارَكَهُ وَقَالَ: «مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمُبَارَكٌ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ]. هذا النص (وهو هنا حسب النص الماصورتي) يذكر ملكي-صادق كملك لمدينة تُدعى شاليم שׁלם -وهو على الأرجح الإسم المبكر لأروشليم؛ ويؤيد ذلك الوصف الجغرافي فى تك 14، ووصف "أدوني-صادق" كملك كنعاني لأورشليم ما قبل إسرائيل؛ وكذلك (مزمور 2:76): "في شاليم مقامة ومسكنه في صهيون"؛ بالمقابل، فإن سفر التكوين الأبوكريفي يعتبر كلاً من شاليم وأورشليم واحداً. بالمناسبة، لابد نلاحظ أن شاليم هو إسم إله فينيقي (إله الغسق). نلاحظ هنا أيضاً أن النص لا يقول إنه كاهن "شاليم" بل كاهن "إيل عليون לאל עליון" أي "الله العلي". الكلمات أيضاً "كان كاهناً لله العلي" توحي أن أبناؤه أو سلالته لم يكونوا كهنة. النص في الترجمة البسيطة السريانية Peshitta تحمل أختلافات طفيفة بينها وبين النص الماصورتي:
1 - ملك ساليم يُدعي Mlkyzdq وهو يحجُب الأصل الحقيقي للكلمة؛
- 2 تدعوه أيضاً السريانية "كاهن الله العالي"، لكنها تستخدم كلمة "كاهن" وهو تعبير يُستخدم في أغلب الأحيان للكاهن الوثني.
بعض النقاد النصيين يصنفون قصّة ملكيصادق على أنها غير مأخوذة من أي مصدر توراتي اعتيادي. لقد قال بعضهم إن الآيات 18 – 20، التي يظهر فيها ملكيصادق، ليست غير إقحام غير منتظم داخل الرواية، لأنها تشكّل قطعاً داخل رواية لقاء إبراهيم بملك سدوم.
لكن مفسري التوراة العبرانية من حقبة الريشونيم ( من القرن 11 إلى القرن 15 ) فسّروا إقحام رواية ملكيصادق الذي يقطع ( كما تراءى لبعضهم ) القصة بطرق مختلفة:
يشير حزقيا بن مانواه ( 1250 تقريباً )، على سبيل المثال، إلى أن الآيات تلت رفض أبرام أي شيء من مقتنيات ملك سدوم، ولولا لم تقحم قصة كرم ضيافة ملكيصادق، فذلك سيثير علامات الاستفهام حول من أين حصل أبرام ورجاله المتعبون على ما أراحهم. أما الراشبام، شموئيل بن مئير، ( القرن 11 )، فيقدّم تفسيراً مشابهاً مع ملاحظة تقول إن رجال إبراهيم وحدهم يشاركون في الممتلكات ( في النص الأصلي، ما يعود لملك سدوم ). في حين أن قصة ملكيصادق التي تقحم في النص تفسّر حقيقة أن أبرام نفسه كان مدعوماً من ملكيصادق إذ أنه رفض أن يستهلك بذخ سدوم لأن ربّه لم يكن من العالم المادي. مثله أيضاً تفسير حاييم بن عطّار ( القرن 17 ) الذي يقدّم مجموعة كبيرة من الأسباب ثلاثية الشعب تبرر إقحام قصة ملكيصادق.
في الأدب الحزالي ( كلمة عبرانية مأخوذة من الأحرف الأولى من حاخامينو زخرونام ليبرخا: لتتبارك ذكرى حاخامينا )، خاصة الترغوم البابلي وترغوم يوناتان والتلمود البابلي، نجد أن اسم ملكي صادق מלכי־צדק هو اسم مستعار لسام بن نوح.
تنويع سامري:
في التقليد السامري السابق للمسيحية يعتقد بقوة أن ملكي-صادق هو من بنى هيكل الطائفة؛ وظاهرياً هو الكاهن السامري الأول، الذي يرجع لسلالة صيدون وكنعان (تك 15:10، 19)، والذي استقر في جرزيم وأسس الهيكل السامري هناك. فكرة وجود ملكي-صادق في جرزيم أوردها أيضاً أبليموس Eupolemus أقدم مؤرخ هيليني يهودي (في الشظايا التي نُقلت عنه في الكتابات الأخرى) حيث نقل عنه يوسابيوس قوله إن إبراهيم نزل ضيفاً على ملكي-صادق في جرزيم حيث المعبد الذي بناه.
بالنسبة للتقليد السامري فشاليم ليست أورشليم بل هي شاليم التي كانت في الأردن؛ كذلك فقد اقترح ثيؤدوتس وجيروم أن ملكي-صادق حكم هناك؛ بالمقابل، نقل عن الرحالة الأسبانية إيجريا (390م) قولها، إنها رأت قرية كبيرة في وادي الأردن، قيل لها أنها مدينةَ ملكي-صادق.
تترجم التوراة السامرية اسم ملكي-صادق إلي "الملك العادل"؛ وتصفه بأنه إمام (كاهن) للقادر العالي (تك 18:20)؛ ويلاحظ إنه أيضاً في النص السامري كما في النص الماصورتي ليس واضحاً من الذي قدم العشور لمن (تك 20:20).
سفر التكوين يدعو ملكيصادق " ملك سالم "، وسالم تقليدياً هو الاسم الذي كان يطلق على القدس قبل قصة التضحية بإسحاق. في التوراة السامرية نقرأ שלמו ( تعني حرفياً، " سلامه " أو في سياق النص " متحالف معه " ) وذلك عوض الكلمة الماصورتية שלם ( سالم )، مع فارق يتجلّى في تبديل م מ النهائية إلى حرفين، م מ وسطى واو ו نهائية. ويرى وليم ف. ألبرايت أن النص السامري موثوق بالثقة ذاتها التي للكتاب المقدس الأمريكي الجديد New American Bible.
بغض النظر عن مكان سكن ملكيصادق، الرواية السامرية تجعل من سالم مكاناً على منحدرات جبل جرزيم الذي كان يستخدم كمكان لمباركة أبناء إسرائيل عند أول عبور لهم لنهر الأردن. والسامريون يجعلون من الجرزيم ( وليس أورشليم ) المكان الذي كانوا ينوون إقامة الهيكل عليه. ومن ثم فكلمة شلومو שלמו الواردة في توراتهم تمتلك غرضاً طائفياً واضحاً. مع ذلك، فذلك ليس حكراً على السامريين وحدهم، فقد اكتشف أيضاً في سفر اليوبيل العائد إلى القرن الثالث أو الثاني ق.م. بل نجده أيضاً في النسخة السبعينية من التكوين.