في الكنيسة المورمونية ثمة كهنوتان: الهاروني والملكي-صادقي. والفارق بين الكهنوتين بارز وهام. وكنّا في مقال سابق ناقشنا تفصيلياً مسألة ملكي-صادق ودوره في النصوص المقدّسة عند الجميع. وربما نستطيع إن أسعفنا الوقت أن نقدّم مقالة أخرى حول هارون [ أهارون بالعبرية ] وكهنوته.
لكن الواقع أنه رغم الكم الكبير من المعلومات الذي أوردناه في المقال، إلا أن هدفنا من تلك الدراسة المطوّلة لم يصل. وهذا وضح من تواصلنا مع الأخوة والأصدقاء في لبنان وأميركا. لذلك كان لزاماً علينا أن نقدّم هذا الملحق للحديث عن ملكي-صادق وكهنوته في العهدين القديم والجديد، وكيف أن النبي جوزيف سميث استطاع الوصول إلى كنه أمور لم يصل إليها غيره.
هنا لا بدّ أن نلحظ الأمور التالية:
1 – نحن نفضّل الترجمة السورية [ آرامية أو عربية ] للاسم ملكي صادق، والتي تعني أن " ملكي my king هو صادق ". هذا يعني أن ملكي-صادق لم يكن عبرانياً؛ والأرجح أنه كان آرامياً سورياً؛
2 – الملاحظة الثانية الهامة جداً هي أن ملكي-صادق، اللاعبراني، " َكَانَ كَاهِنًا للهِ الْعَلِيِّ. إيل عليون ". إيل، كما هو معروف، كان اسم رئيس البانثيون الآرامي-السوري، مقابل يهوه اليهودي؛ وحين يكون ملكي-صادق، الملك الآرامي-السوري، كاهناً لإله بآرامية-سورية واضحة الدلالة كاسم، إيل عليون، فهذا تأكيد غير مباشر على أن ملكي-صادق لم يكن من العبرانيين.
3 – الملاحظة الثالثة الهامة هنا هي أن ملكي-صادق " َبَارَكَهُ [ لأبرام ] وَقَالَ: «مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ [إيل عليون ] مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمُبَارَكٌ [إيل عليون ] اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ». فَأَعْطَاهُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ". هذا يعني أن كاهن إيل عليون أعلى مرتبة كهنوتياً من أبرام، فهو من يبارك جد إسرائيل، وجدّ إسرائيل، بالمقابل، هو من يعشّر عنده. وباركه باسم إيل عليون لا باسم يهوه.
4 – هذا يعني أيضاً، ضمن أمور أخرى كثيرة، أن التوراة ليست بالكتاب العنصري الذي – كما يصوّره أعداء اليهود – يقدّم غير العبرانيين كغوييم أو مينيم خلقهم يهوه أصلاً لخدمة بني إسرائيل. فالتوراة ذاتها تجعل من كاهناً موحّداً شخصاً أرفع مرتبة من أبي الأنبياء، الذي لم تتردد التوراة للحظة في تقديم أبرام وهو يعشّر عنده. ولهذا مدلوله اللاهوتي-الليتورجي الهام.
5 – بالانتقال الآن إلى العهد الجديد، نجد في الرسالة إلى العبرانيين النص الهام التالي: "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائرا على رتبة ملكي صادق، رئيس كهنة إلى الأبد"! فلماذا لم يختر يسوع غير ملكي صادق، يصير على رتبته، رئيس كهنة إلى الأبد؟ واضح تماماً من الربط بين النصيّن أن اختيار يسوع لملكي-صادق له مدلول فائق الأهمية، وهو لم يشر إليه غير جوزيف سميث، وإن بشكل غير مباشر. ملكي-صادق هو كاهن أمم، أي ليس كاهناً عبرانياً؛ هو كاهن لأحد آلهة الأمم، إيل عليون، وليس كاهناً ليهوه. بالمقابل، فهذا الكائن الأممي، يفوق أبا أنبياء بني إسرائيل مكانة، وبالتالي فهو يباركه ويجعله يعشّر عنده. هذا يعني أن ملكي-صادق، كشخص بارز في التكوين العبراني، هو كاهن لكل البشر، يهود وأمم. ويسوع، حين يختار أن يكون كاهناً إلى الأبد، يختار أن يكون " على رتبة ملكي-صادق " لأنه وحده، في كل التوراة وتفاسيرها، الكاهن الذي أرسل للناس، بغض النظر عن انتمائها.
6 – شخصيات هامة جداً في التوراة لكنها غير عبرانية، كملكي-صادق وراعوث وأيوب، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن التوراة كتاب غير عنصري.