في الخطاب القراني يمكن ان نجد انتقاد مستمر للاقوام السابقة بانهم لم يملكوا حجة منطقية في رفضهم لما يأتي به انبيائهم. اذ ان حجة الوحيدة في اغلب الاحيان انهم يحذون بخطى اسلافهم, في اشارة الى تعطيل العقل والتقليد الاعمى. بل ان القران الكريم نفسه لم يستخدم اسلوب التلقين اذا ما تحدث عن العقائد, فغالبا ما كان يوجه خطابه للعقل واستعمال الفكر اذا ما تحدث عن الربوبية ووحدانية الخالق. فنجد ان الايات التي تتحدث عن العقائد دائما ما تختم ب "افلا يعقلون" او "افلا تتفكرون" اوما شابه ذلك. وفي مرات عديدة استخدام اسلوب الاستدلال وفرض عدة احتمالات, وبالتالي لا يصح الا احتمال واحد.
على هذا الاساس, فان العقيدة لا تقوم الا على اساس العقل وحده لا مجال للتقليد او الاحتجاج بما يقوله الغير ايا كان مستواه العلمي.
اما في العبادات, فانه وان كان المذهب الشيعي هو المذهب الوحيد الذي يصرح علانية بالعمل بمبدأ التقليد, الا انه فعليا كل المذاهب, بل كل الاديان, تعمل بهذا المبدأ. وذلك يعود اولا الى الكسل الفكري ـ كما ذكرتم ـ وثانيا الى خوف الانسان من الوقوع في الخطأ وبالتالي تلقي العقاب. مع ان الله عز وجل لم يأمرنا بان نطابق الواقع الذي يريده في عباداتنا واعمالنا, والا فحتى رجل الدين عاجز عن الاتيان بحكم الله الواقعي وكل الفتاوى والاراء العبادية انما هي مطابقة للحكم الظاهري. وكذلك فقد ذكرنا في الحلقة السابقة من عدل الله وحكمته انه لا يعاقب ولا يحاسب الا بمستوى رجاحة العقل وقناعة الانسان بصحة ما يفعل. اضافة الى ان رجل الدين ليس اكثر من انسان ولا يملك صفات لا يملكها الاخرون, فبامكان كل فرد ان يصل الى مستوى رجل الدين. كما ان الدين ليس بوظيفة ورجل الدين ليس بموظف حتى يقاس بالطبيب او المهندس او اي وظيفة اخرى.
وحتى المذهب الشيعي اذا ما تأملناه جيدا فانه لا يقول بالاتباع المطلق, او التقليد الاعمى, لرجل الدين. فبناءا على المذهب الشيعي ان المكلف اما ان يجتهد بنفسه, بان يصل الى مستوى علمي يمكنه من استباط الاحكام الشرعية من مصادرها والعمل على اساس استنباطه. ويمكن ان يكون الاجتهاد وطلب العلم واجب على فرد في حالات معينة, هذا ما يسمى بالواجب الكفائي .او ان المكلف يقلد المجتهد والعالم الجامع للشرائط. وهذا الاخير بحد ذاته اجتهاد ويعني ان يبحث المكلف عن رجل الدين المناسب الذي تجتمع فيه كل شروط الاجتهاد, منها العلم والورع والتقوى والعدل..الخ. وليس للمكلف ان يقلد ايا كان فقط لانه ارتدى لباس العلماء. اذ ان رجل الدين كما يمكن ان يصب فانه يمكن ان يخطأ ولا يوجد من يدعي العصمة لشخص فقط لانه رجل دين. ومن هنا اسئ لمرات عدة استخدام المؤسسة الدينية, عندما انحرف رجالها عن الصواب ولم يجدوا من يقومهم او يصحح طريقهم. ولعل السبب في ذلك هو اضفاء صفة القداسة على رجل الدين وانه فوق الشبهات وخليفة الله على الارض والراد عليه كالراد على الله. وهذا هو مسلك الامم السابقة التي عصت الله وخالفوا انبيائهم لانهم كانوا يرون القداسة في ابائهم وبالتالي اصبحوا خطوطا حمراء يحرم على اي شخص تجاوزها. وهذا الخطوط الحمراء هي التي جعلت منا اناس اتكاليين نريد من رجل الدين الرأي في كل مسألة وان يتدخل في كل امر يخصنا حتى لو لم يكن دينيا. وذلك جعل البشر تربط ما بين رجل الدين والدين نفسه, فاذا ما اخطأ رجل الدين حملت الدين مسؤولية ذلك. مع ان الخطأ في التطبيق لا يعني ابدا ان النظرية خطأ
الخلاصة: - العقيدة لا يجوز فيها التقليد, وانما يجب البحث واستخدام العقل.
- في العبادات فان التقليد, وان كان جائزا في بعض المذاهب الاسلامية, الا ان له شروط وقوانين تنظمه
- المشكلة قبل ان تكون في رجل الدين, فهي مشكلة المجتمع الذي وضع رجل الدين في مستوى غير صحيح.
- الدين ورجل الدين ليسا شيئا واحدا, فلا يتحمل الدين مسؤلية اخطاء اتباعه حتى لو كانوا من العلماء, ما لم يكونوا المؤسسين لذلك الدين.