الاسكاتولوجيا-الأخرويّات
قدّمت القبالة مقولات اسكاتولوجيّة هامّة. لكن مساهمة الآراء المسيانيّة في الاسكاتولوجيا القباليّة كانت هامشيّة ليس إلا. وتحت تأثير علوم النفس الأرسطويّة أو الأفلاطونيّة-المحدثة، اعتبر القباليّون الخلاص الفردي الإنجاز الروحاني المطلق. وتحت تأثير المراجع الإسلاميّة، طوّر هؤلاء الفكرة القائلة إن العمليّات الكونيّة تعمل في دورات كونيّة كلّ منها مكوّنة من سبعة آلاف و 59 ألف سنة؛ وكل دورة تنتهي بألف سنة من الراحة الكليّة؛ وكلّ ألف سنة – أو كل سبعة آلاف، بحسب المصدر المعتمد – تكمها صيفراه منفصلة، تؤثّر بالعمليّات الحاصلة في تلك الحقبة من الزمن. هذه الآراء القباليّة، قام بجمعها غوراه أبرافانيل ( ليوني إيبريو ) في عمله، " Dialoghi d,amori "، الذي أُدخلت عبره إلى الثقافة الأوروبيّة عموماً. منذ البداية الأولى نجد في القبالة نقاشات مطوّلة لأنماط مختلفة من التقمّص والتناسخ. وقد اعتبر التقمّص أساساً فرصة تعطى للآثمين كي يكفّروا عن خطاياهم، ونادراً ما اعتبر التقمّص حقبة تطهيريّة.
التفسيرات القباليّة
في القبالة يُستخدم في التأويل ( أو التفسير ) طريقتين رئيستين، هما الرمزيّة والحسابية. الطريقة الأولى هي المسيطرة في القبالة الثيوصوفيّة والثيورجيّة؛ وتعتبر الكتاب المقدّس وظواهر الطبيعة وحوادث التاريخ رموزاً للتبدّلات الديناميكيّة والدائمة التي تحدث ضمن الإله. وقد مكّن إضفاء السمة الرمزيّة على الواقع برمته القباليين من إعطاء مغزى صوفي لكل حادثة ومن المشاركة أيضاً في الحياة الإلهيّة، عبر الأداء المتعمد للوصايا. إن الإمكانيّات المختلفة للتفسير الرمزي حوّلت الكتاب المقدّس إلى " نص مفتوح "، يحفل بالمعاني اللامتناهية. ومع ظهور زوهر، صارت الرموز التي تشير إلى إتحاد جنسي بين تيغريت وملخوت، وتلك التي تشير إلى العالم الشيطاني، أكثر مركزيّة. وبحلول نهاية القرن الرابع عشر، قبل القباليّون بتقسيم رباعي للتفسير.
تحت تأثير حسيديّة القرن الثالث عشر الاشكنازيّة، استخدمت القبالة السرانيّة وسائل حسابيّة مثل الغيماطرياه، أي حساب القيم العدديّة للأحرف؛ النوتاريقون، أي استخدام الأحرف كأشكال مختصرة لكلمات كاملة؛ والتيموراه، أي التبديل بين الأحرف. كذلك فقد قدّم أبو العافية نظاماً سباعيّاً للتفسير، والذي تأوّج بشكل لتجربة وجديّة.
التأثيرات الخارجيّة
يقول بعض الباحثين من القرون الأخيرن، مثل ناحمان كروشمال من القرن التاسع عشر وغرشوم شوليم من القرن العشرين، إن القبالة تأثّرت بالمفاهيم الغنوصيّة، مع أن أدلتهم الداعمة لافتراض كهذا لم تكن قويّة. لكن تأثير كل من الأفلاطونيّة-المحدثة والإسلام والمسيحيّة على القبالة الأولى واضح تماماً حيث أقرّ به بعض من مناصري القبالة مثل إلياهو دلميديغو ويهودا آريه مودينا، منذ عصر النهضة. ويبدو الرأي اليهودي عن الشر وكأنه نابع عن نصوص أقدم، كان مصدرها البعيد إيرانيّاً على الأرجح، وربما يكون زورفانيّاً ( أسطورة زرادشتيّة ). وفي بداية القرن السابع عشر، راحت أفلاطونيّة عصر النهضة المحدثة تترك آثارها في التفسير الفلسفي للقبالة، لكن هذا الاتجاه لم يترك أثراً كبيراً على القبالة اليهوديّة.
زوهر
النص الرئيس للقباليين. وكما أشرنا، فقد ظهر في اسبانيا في ظروف غامضة عند نهاية القرن الثالث عشر، حين بدأ القبالي، موسى الليوني ( 1240-1305 ) بإرسال مخطوطات يفهم من محتواها أنها تعاليم لمجموعة من الصوفيين الذين عاشوا في فلسطين في القرنين الثاني والثالث. ورغم شكوك بعض القباليين، بمن فيهم معاصرون لليوني، حول صدق مزاعمه، فقد قبل التقليد القبالي بأن زوهر نص قديم أصيل، حيث يُعتقد أنه يضم تعاليم الحاخام شمعون بار يوحاي وتلاميذه، رغم أنه لا يُعرف كيف وصلت المخطوطة الأصليّة إلى اسبانيا. ويرى العلماء الحاليّون أن الأدب الزوهري ليس سوى سلسلة من النصوص المنحولة التي ألفّها موسى الليوني وغيره عند نهاية القرن الرابع عشر وبداية الخامس عشر.
يأخذ الزوهر شكل مدراش على التوراة. وتعاليمه ذات علاقة بالانبثاقات العشرة التي من خلالها تكوّن العالم، والتي هي الأرضية لكل ما هو واقعي فعلي.