الأساليب الصوفيّة في القبالة
بعد منتصف القرن الثالث عشر، قدّم القباليّون سلسلة مقالات تناقش أساليب الوصول إلى تجارب وجدية وتصف تلك التجارب. وكان أبراهام أبو العافية ( 1240-1290 ) أهم ممثّل لهذا الاتجاه. لقد ركّز في أعماله العديدة، التي ما تزال كلّها تقريباً مخطوطات، على وسائل معقّدة للاتحاد مع القوّة-الفكر، أو الإله، عبر تلاوة الأسماء الإلهيّة، إضافة إلى تمارين نفسيّة وأعراف تطهيريّة. لقد تبنّى أبو العافية بعضاً من طرقه الصوفيّة من سادة الحسيديّة الأشكنازيّة؛ بغض النظر عن تأثره باليوغا والتصوّف الإسلامي. أبو العافيّة، الذي أطّر ذاته بمنظومة ابن ميمون ( 1135-1204 )الميتافيزيكيّة والسيكولوجيّة، جاهد بقوة من أجل التجربة الروحانيّة، التي صوّرها كحالة نبويّة مشابهة بل مطابقة لحالات أنبياء اليهود القدامى. وكان تصوّره لوصوله لهذه الحالة باعتباره حدثاّ اسكاتولوجيّاً، لأنه كان يعتقد أنه المسيح المنتظر. وهذا المفهوم الفردي والروحاني أرخى بظلاله على الرأي الحسيدي اللاحق المتعلّق بالمسيانيّة الروحانيّة. وقد أدّت هذه الادعاءات المسيانيّة بأبي العافية إلى القيام ببعض الأعمال الجريئة، مثل محاولته الفاشلة مناقشة البابا في الطبيعة الحقيقية لليهوديّة.
حرّضت مزاعم أبو العافية النبويّة والمسيانيّة على حصول ردّة فعل قويّة من قبل شلومو بن أبراهام أدريت، المرجع الهالاخي الشهير، الذي نجح في إزالة آثار قبالة أبو العافية الوجدية من اسبانيا؛ لكن أعماله كانت قد ترجمت إلى اللاتينيّة في إيطاليا، مساهمة إلى حدّ كبير في تكوين القبالة المسيحيّة. أما في الشرق الأوسط، فقد قُبلت القبالة الوجدية دون تحفّظ. وما تزال آثار واضحة من مذهب أبو العافية ماثلة للعيان في أعمال يصحاق بن شموئيل العكّاوي ويهودا البوتيني. في فلسطين، اندمجت أفكار أبو العافية مع عناصر صوفيّة إسلاميّة، كان واضحاً أن مصدرها ابن عربي. من هنا، دخلت آراء صوفيّة إسلاميّة في القبالة الأوروبيّة. وبعد طرد اليهود من اسبانيا، اتحدت القبالة الثيورجيّة الإسبانيّة بالقبالة الوجديّة، رغم أنها نشأت دون أي أثر هام منها؛ وصار هذا التوحّد، عبر كتاب موشيه كوردوفيرو " Parades rimmonim "، جزءاً من الجدول الرئيس للتيّار القبالي. كذلك فإن حاييم فيتال ضمّن آراء أبو العافية في كتابه، " شعاري قدوشاه "؛ كما درس قباليّو القرن الثامن عشر كتب أبو العافية الصوفيّة في أكاديميّة بيت إيل في القدس. وفي زمن لاحق، شقّت مفاهيم القبالة الصوفيّة والنفسيّة طريقها إلى سادة الحسيديّة، إن بشكل مباشر أو غير مباشر. يمكن أن نرى أيضاً أثر القبالة الوجديّة عند جماعات منعزلة اليوم، كما يمكن أن نجد آثاراً منها في الأدب الحديث، خاصّة منذ أن نشر الكاتب اليهودي، غرشوم شوليم، بحوثه ذات الصلة.