إيزاك لوريا

عرفت الثيوصوفيا القباليّة تطوّراً حاسماً بعد وفاة كوردوفيرو، خاصة مع انتقال إيزاك لوريا، أحد تلامذته السابقين، إلى صفد، مركز الجماعة القباليّة، حيث كان تأثيره عميقاً من خلال سلوكه الورع وقواه الغريبة، إضافة لنشره لنوع جديد من الثيوصوفيا. والواقع أن مبادئ لوريا، التي كانت تعطى لأتباعه شفويّاً عموماً، قامت على أساس من عناصر لعبت دوراً شبه هامشي في المنظومة القاليّة سابقاً. يقول لوريا، على سبيل المثال، إن الحركة البدئيّة في الخلق تألّفت من انسحاب الذات الإلهيّة التي تتخلل كلّ شيء إلى داخل ذاتها، تاركة نقطة كان العالم سيأتي إلى الوجود منها. هذا الانسحاب أو التقلّص، مكّن من إزالة العناصر " الشرّيرة " الكامنة في الذات الإلهيّة. ( العناصر الشريرة التي تركت الذات الإلهيّة أثناء التقلّص شكّلت " المجال المادّي " ). أعقب هذا الحدث التطهيري سلسلة انبثاقات عن الذات الإلهيّة كان القصد منها تشكيل العالم المخلوق. ومع ظهور الانبثاقات عن المصدر الإلهي، حصلت حادثة مريعة – فقد انكسرت الأوعية التي كانت تحمل تلك الانبثاقات. وسقطت شرارات من النور الإلهي في المجال المادي حيث سجنت في أصداف المادة. لذلك، كان واجب القباليين تحرير الشرارات إعادة تكوين الوضعيّة الإلهيّة والإنسان الأول ( آدم قدمون )؛ وهو هدف له معان اسكاتوليجيّة إضافيّة.
القبالة بعد لوريا


عرف فكر لوريا نجاحاً فوريّاً؛ فقد قبل بثوصوفيته كل تلامذة كوردوفيرو السابقين؛ واعتبرت قبالته أسمى من منظومة كوردوفيرو. بعد موت لوريا، عام 1572، دوّن أحد تلامذته، حاييم فيتال، آراءه؛ لكنه لم ينشرها إلا ضمن دائرة ضيقة من القباليين الذين قبلوا به قائداً لهم. وبالمقارنة مع تلاميذ لوريا الآخرين، مثل يوسف بن طبول وموشيه يوناه، كان فيتال كثير الانتاج؛ أما أشهر أعماله فهو " عص حاييم "( شجرة الحياة ). في تسعينات القرن الخامس عشر، أحضر يسرائيل ساروغ، وهو قبالي اعتبر ذاته تلميذاً للوريا، نسخة مختلفة إلى حد ما عن قبالة لوريا. ونشرها شفويّاً وكتابيّاً، مستخدماً لأجل ذلك تلاميذ متطوعين من قباليي قرطبة السابقين. وكان أهم أنصار النسخة الساروغيّة للوريا، مناحم عازاريا الذي من فانو. يرجع نجاح ساروغ نوعاً ما إلى تفسيره التأملي الخاص وتفسير تلميذه، أبراهام هريرا، الذي استخدم الفلسفة الأفلاطونيّة-المحدثة في عمليه، " شعار ها-شماييم " و " بيت ألوهيم ". كذلك فقد ظهرت الآراء الذريّة والأفلاطونيّة-المحدثة للقبالة اللوريّة في أعمال يوسف شلومو دلميديغو الذي من كانديا، والذي هو تلميذ آخر لساروغ.
في القرن السابع عشر، اصطدم أنصار نسخة فيتال عن قبالة لوريا مع أنصار نسخة ساروغ عنها. لكن آراء فيتال انتصرا بين القباليين عبر أعمال شموئيل فيتال، مئير بوبرز، ويعقوب صحاح.
التطورات الأخيرة


شهدت القرون التي تلت بروز مزيج من المبادئ الكوردوفيرية واللوريّة. لكن ثيوصوفيّة أتباع صوفي القرن السابع عشر، شبتاي تسيفي، تأثرت أساساً بالتوجهات الفكرية عند ساروغ؛ في حين مثّل لاهوتيو الحسيديّة البولونيّة في القرن الثامن عشر، إعادة إحياء لبعض الآراء الكوردوفيّريّة، مثل رأيه في الصلاة؛ وكان ذلك في حقبة فشلت أثناءها القبالة اللوريّة في تقديم أجوبة مناسبة.
من المعروف أن بعضاً من أشهر شخصيّات القرن الثامن عشر كانت قباليّة؛ ومن أهم هؤلاء، نذكر: إلياهو ين شلومو زالمان، المعروف باسم غاؤون فيلنا ( 1720-1797 )؛ ويعقوب أمون ( 1697-1776 )، اللذان حافظا على وجودهما ضمن التقليد اللوري، رغم تحفظاتهما عليه. في القرن التاسع عشر، كان يصحاق آيزيك هافير وشلومو ألياشار، أبرز من قدّم اللوريّة.
لا شك أن الاتجاه القبالي المسيطر حاليّاً في " اليشفوت " [ المدارس ] القباليّة الحديثة هو المنظومة اللوريّة. وهي تدرّس بحسب التفاسير التي قدّمها موشيه حاييم لوزاتو، إلياهو بن شلومو زالمان، حاباد، وهي حركة لوبافيتش الحسيدية، إضافة إلى القباليين السيفارديم في أكاديميّة بيت إيل في القدس. قدّم أبراهام يصحاق كوك ( 1865-1935 ) نسخة صوفيّة واحديّة-الوجود للقبالة، حاول من خلالها تفسير علمانيّة كثير من المدارس اليهوديّة الحديثة، كجزء من مخطط أكبر من الارتقاء الديني؛ وكان لآرائه الأثر الكبير في محيطه. بعد قيام دولة إسرائيل، خاصة بعد حرب 1967، أكّد يهودا كوك، ابن أبراهام، على ما في فكر والده من معان مسيانيّة إضافيّة. أما دافيد ها-كوهن ها-نصير، أبرز شخصيّة في بطانة كوك، فقد قدّم نمطاً خاصّاً من التصوّف في كتابه " قول ها-نبوءاه "، استند فيه بقوة على السمات الشفوية للتقليد اليهودي. يمكن أن نشتم مؤخراً رائحة بعض الاهتمام بقبالة أبو العافية الوجدية، خاصة في الدوائر الحسيديّة.