اليهوديّة الإصلاحيّة هي التفسير الأول الحديث لليهوديّة، والتي ظهرت استجابة لتبدّل الظروف السياسيّة والثقافيّة التي أعقبت تحرّر اليهود. إنها الفرع من اليهوديّة الأكثر تكيّفاً مع معايير الفكر والمجتمع المعاصرين، في الاعتقاد والممارسة. كما أنها تدعى أحياناً باليهوديّة الليبراليّة أو اليهوديّة التقدّميّة.
يعيش أكثر من مليون يهودي إصلاحي في أوروبا وأميركا وأستراليا وجنوب إفريقيا وإسرائيل. وتتحد كلّ الأبرشيّات الإصلاحيّة، على صعيد العالم، في " الاتحاد العالمي لليهوديّة التقدميّة "، الذي يعقد مؤتمره مرّة كل سنتين، وعادة ما يكون مكان اللقاء أوروبا أو إسرائيل. في الولايات المتحدة، يشكّل نحو من 70 أبرشيّة مستقلّة " اتحاد الأبرشيّات الأمريكيّة العبرانيّة المستقلّة " ( UAHC )، الذين لديهم أكثر من 1300 حاخام يشكّلون " المؤتمر المركزي للحاخاميم الأمريكيين " ( ( CCAR. يتم تدريب الحاخاميم، الباحثين، المعلمين، العاملين ضمن الأبرشيّات، والمرتلين في " الكليّة العبريّة المتحدة – المعهد اليهودي للدين " ( HUC-JIR )، الذي يمتلك فروعاً في سينسيناتي، لوس أنجلس، نيويورك والقدس. إن أقوى دور للقيادة التنظيميّة في اليهوديّة الإصلاحيّة هو رئاسة UAHC، التي تولاها أحد الحاخاميم في السنوات الأخيرة.
الاعتقاد والممارسات:
1- التوراة
لا يؤمن الإصلاحيّون بأن الشرع المكتوب ( التوراة ) أو الشرع الشفوي ( التلمود ) أوحى بهما الله إلى موسى حرفيّاً على جبل سيناء. وهم يقبلون بالنقدية الكتابيّة والتاريخيّة كمعيار، كما يفهمون النصوص المقدّسة على أنها نتاج تفكير بشري بمساعدة الوحي.
2- الأخلاق:
تعترف اليهوديّة الإصلاحيّة بالعلاقة القويّة بين الدين والأخلاق، وتؤكد بشكل خاص على رسالة العدالة الاجتماعيّة للأنبياء. كما تعتبر أن اليهوديّة موجودة من أجل هدف كوني عال، يطمح إلى السلم العالمي.
3- الوحي:
تعتبر اليهودية الإصلاحيّة أن الوحي متواصل مع تقدّم المعرفة البشريّة والحساسيّة الدينية. وهذا يخالف الرأي الأرثوذكسي القائل إن التجلّي في سيناء يشكّل التعبير الدائم الموثوق عن إرادة الله، وهو ما يجب أن يبقى معياراً في كلّ زمان ومكان.
4- الإرادة الحرّة:
إن حريّة الفرد اليهودي، في أن ينتقي، من التقليد اليهودي، تلك العناصر العرفيّة أو الاعتقاديّة التي يجدها مفيدة له شخصيّاً، هي أكبر عند اليهود الإصلاحيين مما هي عند الأرثوذكس أو المحافظين بما لا يقارن. لا يقبل اليهود الإصلاحيّون بالتقليد التشريعي اليهودي كشيء مقيّد، بل يحولونه على الدوام إلى هاد في المسائل الطقسيّة. ويصدر CCAR باستمرار كتب صلاة سبت ودليلاً إلى دائرة الحياة اليهوديّة.
5- الصلاة:
في معظم الأبرشيّات الإصلاحيّة اليهوديّة في أميركا تجري الخدمة الدينيّة الرئيسة مساء الجمعة من كلّ أسبوع؛ فيجلس الرجال والنساء معاً، يشاركون في الخدمة على نحو متعادل. ولم يبدأ بعض الحاخاميم، وقلّة من النساء، بارتداء الطاقيّة الطقسيّة إلا مؤخراً، وذلك أثناء الصلاة. في الكنس يصاحب الأرغن الطقوس. تتلى معظم الصلوات بالانكليزية، باستثناء مقاطع ذات أهميّة خاصة، تترجم إلى العبريّة.
6- الإصلاحيّون خارج الكنيس:
يعيش الإصلاحيّون إيمانهم خارج الكنيس عن طريق محاولتهم أن تكون المبادئ الأخلاقيّة اليهودية الهادي لهم في حياتهم. ويمارس بعضهم طقوساً يهوديّة في المنزل، خاصة إشعال الشموع عشيّة السبت، وطقس عشيّة الفصح، والاحتفال بعيد الحنوكاه.
7- اعتناق اليهوديّة:
يظل الإصلاحيّون الطائفة الأكثر ميلاً للتبشير بين كل الفروع اليهوديّة الأخرى. والنسبة الأعظم بين كل معتنقي اليهوديّة تنتمي إلى الفرع الإصلاحي. فنسبة " اليهود بالاختيار " تشكّل جزءاً ضئيلاً لكن متنامياً من الفرع الإصلاحي اليوم.
8- الزواج المختلط:
الحاخاميم الإصلاحيّون وحدهم من رجال الكهنوت اليهودي الذين يعقدون زواجات لا يكون فيها أحد الطرفين يهوديّاً؛ بل لا ينوي أصلاً اعتناق اليهوديّة. لكن عادة ما يعد الزوجان أن يكون أولادهما من اليهود.
تاريخ الحركة:
غالباً ما يشير الإصلاحيون إلى أن الإصلاح الديني موجود في اليهودية منذ البداية. ويقولون إن الأنبياء اليهود انتقدوا الأعراف الدينيّة السائدة، وإن التلمود يتضمّن إصلاحاً للشرائع السابقة، بل يقولون إن العلماء المتأخرين كانوا يرغبون بتغيير العقائد والأعراف السائدة. لكن هذه الرغبة انسحقت تحت وطأة الاضطهاد والعزلة. مع ذلك، فقد تقوضت أركان هذا الوضع اليهودي العصر-وسيطي تحت تأثير عاملين: المركزية السياسيّة وشموليّة عصر الأنوار. فقد كانت الدول الأوروبيّة ترغب بمركزيّة سياسيّة أكبر، الأمر الذي أدى إلى وضع اليهود تحت سلطة الدولة بشكل أكثر مباشريّة، وتقليص سلطة الحاخاميم. وهكذا، بدأت مجموعات متزايدة من بتعلّم اللغات الأوروبية الحديثة، وقراءة الأدب المعاصر، واستيعاب القيم الجماليّة السائدة، واعتبار أنفسهم أوروبيين ثقافيّاً مثلما هم يهود دينيّاً. إذن، إن خلفيّة ظهور حركة الإصلاح هو تبدّل الوضع السياسي والثقافي لليهود في وسط أوروبا وغربها في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. وهكذا خلقت فجوة بين التقاليد اليهودية وقسم من يهود أوروبا الغربيّة.