استخدام اسلوب الترهيب والترغيب هو مجرد وسيلة وليست الغاية التي من اجلها فرضت العباة. فالحصول على الجنة والتي نفهمها على انها المكان الذي يتحوي على كل الملذات والشهوات او النجاة من النار والتي هي مجمع الالام, مع لهما من اهمية, قطعا ليسا هما الغاية من فرض عبادات وطقوس. وانما الجنة والنار مجرد مرحلتان من مراحل الرقي نحو الكمال. ولعل الذي جعلنا نفهم ان الغاية من العبادة والطاعة مرتبط بالجنة والنار هو الخطاب الديني الذي ركز على هاتين المحطتين, او لعل الذي اوصل الينا ذلك الخطاب, باعتبار بعدنا عن عصر النص, لسبب او لاخر اخفى الهدف الاسمى من العبادة. ومع هذا فان ما وصلنا من نصوص دينية لا تخلو من الاشارة الى فلسفة الاعمال والعبادات. فالصلاة مثلا التي لا تنتهي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر واصلاح النفس ثم المجتمع , ولا تكون سببا في الابتعاد عن التكبر ليس لها قيمة فعلية ولا تكون الا مجرد حركات مع مرور الوقت تصبح مجرد عادة لا فائدة منها. والصيام الذي لا يؤثر في تهذيب النفس وجمح لجامها عند الشهوات والمغريات لا نجني منه الا الجوع والعطش. والصدقة التي ندفعها بازدراء للاخرين ومنة فليس لنا منها الا الخسارة والنقص في اموالنا. وهكذا سائر الاعمال والعبادات, فهي لا تخلو من الارتباط بالاخلاق العامة. وفي المقابل فان الذنوب والمعاصي انما هي محرمة بسبب بشاعتها واثرها السلبي على الانسان, وليس لان الله تعالى اراد ذلك. اذ ان الله تعالى وان كان له ان يريد ما يشاء دون اعتراض من احد, فانه الحكيم المطلق الذي لا يفعل شيئا لاجل العبث واللهو ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ.
بل انه حتى بعض العبادات ممكن ان تصبح وبالا على الانسان اذا ما فهم فلسفتها الحقيقة. فانه مثلا "كم من قارئ للقران والقران يلعنه" مع ما نعلم من عظم اجر قراءة القران, وان الانسان يؤجر لمجرد الاستماع الى القران او حتى مجرد النظر فيه.
وبالعودة الى الجنة والنار فان فيهما من المغالطات التي يجعلنا نقف عندها ونتساءل عما اذا كانا فعلا هما الغاية. فالجنة التي ـ كما توصف في بعض المصادر ـ بانها تحتوي على الممنوعات في هذه الدنيا وان المحرمات تصبح مباحا, يجعلنا نسأل عن سبب التحريم بالاساس ما دامت ستصبح حلالا يوما ما!! قد يكون السبب في هذا الفهم هو اختلاف المعنى في اللفظ ما بين حاضرنا وزمن صدور النص. فكيف يمكن للجنة مثلا ان تحتوي على الخمر الذي كان حراما في عالم الدنيا؟! وكيف تكون الجنة مجرد مكان لقضاء الرجل لشهوته الجنسية مع جيش من الحور العين؟؟!!
الانبياء هم القدوة وحبل الوصل ما بين البشر ورب العباد. وفي اكثر من نص قراني امرنا ان نقتدي بالانبياء وانهم الاسوة لنا. كما انهم لسيوا حالات خاصة لهم حياتهم التي تكون بمنأى عن سائر البشر. فالقران صرح اكثر من مرة مخاطبا النبي انما انت بشر! ما يفرقهم عن البشر الاخرين هو ارتباطهم بالعالم الغيبي وتكليفهم بمهمة التبليغ. وكذلك فهم قد فهموا الغاية الاساسية من العبادة ويعرفون بالتفصيل ملاكات المصالح والمفاسد التي على اساسه وضعت الاحكام الشرعية من حلال وحرام. ولم تكن اطلاقا غايتهم الرئيسية من الطاعة والعبادة مجرد دخول الجنة او الابتعاد عن النار. فمثلا النبي الذي بشر بقوله تعالى "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" يواصل اعماله العبادية وبزيادة عما كان يفعل من قبل, بالرغم من انه اخذ ضمان الدخول للجنة, ويقول "أفلا اكون عبدا شكورا".
الخلاصة: -الجنة والنار ليسا الغاية الاساسية لفرض العبادات. بل هما مرحلتان في طريق التكامل. ودخول الجنة او الابتعاد عن النار ليس بالضرورة ان يكون عن استحقاق, وانما هو فضل من الله عز وجل يمن به على من يشاء حتى لو لم يكن مستحقا لذلك.
- الانبياء قدوة واسوة لنا وما يفعلونه ـ بغير النبوة وامر تبليغ الرسالة ـ يمكن لنا ان نأتي به.
- الاحكام الشرعية من حرام وحلال متعلق بملاك المصالح والمفاسد اكثر منه باي شئ اخر.
اعتذر على الاطالة,,