تكملة لموضوعي: ماذا يريد الله (1)
في الحلقة السابقة .. ذكرت العديد من الامور المتفرقة التي تمثل كخلفية للبحث أو اسس للبحث، واحب ان ادخل في المشكلة الفعلية .. و لكن قبل ذلك يجب ان نعالج اشكالية من يدخل الجنة ومن يدخل النار
بالطبع دخول الجنة و النار هو امر متروك لله سبحانه وتعالى ليقرره، ولكن عل اقل نحاول ان نعرف الاسس ولو بشكل عام
هنالك اتجاهين واضحين في هذا الامر لدى علماء الدين
- الاتجاه الاول: مبدأ مطابقة او مخالفة الواقع
- الاتجاه الثاني: مبدأ العناد والانقياد
الاتجاه الاول: مبدأ مطابقة او مخالفة الواقع
وهنا المقصود ان هنالك (واقعا محدد) للعبادات يجب مطابقته
مثلا لكيفية الصلاة الصحيحة كما يريدها الله، وهذا يشمل كيفية الوضوء بالضبط، و كيفية بدء الصلاة و مكان اليدين و الكلمات وصولا إلى نهاية الصلاة .. كل هذا بالتفصيل، يعني ان هنالك كيفية محددة للصلاة، يحاول العلماء الوصول إليها عبر البحث والاستقصاء لمعرفة كيف كان الرسول مثلا يصلي، لأنه بالتأكيد كان يطابق ذلك الواقع الذي يريده الله سبحانه وتعالى بالضبط
و في حال لم تتوفر معلومات عن هذا الامر او ذاك عن الرسول .. يحاول الشيعة مثلا الاستفادة من الروايات بخصوص الأئمة ، و يحاول السنة الاستفادة الروايات بخصوص الصحابة
وفي حال لم يتوفر ذلك .. يحاول كل من الشيعة و السنة الوصول لذلك الواقع عن طريق من رافق (الائمة) ، او عن طريق من رافق الصحابة ، و هذه تسمى (السلفية) و هي اختصار لكلمة (السلف الصالح)
ولا يأتي احد من الشيعة ليقول (لا شأن لنا بالسلفية) ، فلو وصلت رواية معتبرة متواترة تتكلم عن كيفية صلاة احد اصحاب الائمة المرافقين لهم دائما .. سيتم اعتماد تلك الرواية في كل الرسائل العملية بل تكون حجة) .. هنا نقصد السلفية كمنهج، وليس كمذهب
هذه الفوضى من الغوص في الموروث الروائي .. و محاولة تصفيته وايجاد الصحيح منه، الغرض منها معرفة كيفية اداء العبادات (والمعاملات وغيرها) بما يطابق (الواقع) الذي يريده الله سبحانه وتعالى لتلك العبادات والمعاملات
وبالطبع لا ينجح الطرفين في ذلك .. أي لا ينجح الطرفين في الوصول لواقع محدد متواتر معتبر، .. فيحاول كل منها الوصول إلى ذلك الوقع ولو على نحو تقريبي، و من هنا جاءت الاحتياطات في فتاوى العلماء
مذهب (العدلية) وهو قد يكون مذهبا بذاته، او نهجا في مذاهب اخرى، .. يصرح إن الثواب والعقاب انما يكون على قدر مطابقة الواقع
يعني .. بقدر ما تكون صلاة المسلم مطابقة للواقع .. يثاب عليها، و ما خالف منها الواقع يعاقب عليه
ولا فرق ان يكون قاصرا ام مقصرا في ذلك، قامت عنده الحجة من عدمها
انتهينا هنا من الاتجاه الاول في الثواب والعقاب، وهو مطابقة الواقع من عدمه
الاتجاه الثاني: مبدأ العناد والانقياد
وهذا المبدا يقول به نفر غير قليل من علماء الشيعة والسنة (وربما اصحاب الديانات الاخرى ايضا)
و معناه انه سواء كان هنالك واقعا محددا ام لا، فإن الانسان يعمل بحسب الدليل المتوفر عنده، اي الذي سمعه او قرأه .. ثم وعاه وتأكد منه، و هو ما نسميه (قيام الحجة عند الانسان)
فاذا قامت عنده الحجة على امر ما باي طريق كان (مثلا بخصوص وضع اليدين في الصلاة على البطن ام على الجوانب) .. فهو امام خيارين
- ان يعمل بما قامت عنده الحجة عليه، فيكون (منقادا) وعنده يثاب على عمله، حتى و ان كان ذلك مخالفاً للواقع
- ان يرفض العمل بما قامت عنده الحجة عليه فيكون (معاندا) وعنده يعاقب على ذلك العناد، حتى و إن كان رفضه يجعله مطابقا للواقع
يعني ان مطابقة الواقع (على فرض وجود واقع) ليس مهما بقدر ما يكون المهم هو انقياد الانسان فيما يعتقد هو بصحته من عدمه .. و ان الله سوف يحاسب الانسان على اساس عناده او انقياده
وحسب هذا الاتجاه.. سيدخل الكثير من البشر الجنة (اي يثابون) .. فمثلا اليهودي الذي ولد يهوديا واعتقد بصحة اليهودية في داخل قلبه وعمل بها ومات على ذلك، سيثيبه الله ويدخله الجنة على الرغم من ان هنالك شريعة (شريعة محمد) قد نسخت شريعة اليهودية
ولكن هذا اليهودي نفسه، لو أعتقد في داخل نفسه إن شريعة النبي محمد هي الصحيحة، وان عليه ترك اليهودية ولكن مع ذلك بقي على يهوديته، عندها سيكون معاندا
لاحظ اين المدار ؟ المدار هو ان يعتقد الانسان (في قرارة نفسه) وليس مجرد ان يسمع ، فضلا عمن لم يسمع اصلا
ما يعتمد عليه في ابحاث علماء السنة والشيعة (وربما حتى الاديان الاخرى) عادة هو الاتجاه الاول، فترى إن العلماء يحاولون قدر الامكان ان يفعلوا بالضبط كما فعل الرسول محمد (ص) .. يقلدوه في كل شيء من اجل مطابقة الواقع الذي يريده الله
ولكن في منطق القرآن .. ترى إن الثواب والعقاب مرتبط بـ (الايمان والكفر)
فاما الايمان، فهو امر داخلي يحصل للانسان، .. بمعنى اخر هو قيام الحجة على امر لدى الانسان والعمل به، والايمان ليس بالضرورة ان يكون بالله تعالى، بل باي شي ممكن الايمان به مثل الايمان بالرسول، او الايمان بالقرآن او الايمان بصحة القرآن او الايمان بعدالة الصحابة ..إلخ.
واما الكفر .. فهو كلمة في اللغة العربية مرادفة لكلمة العناد (ولا تعني الخروج من الدين من الاسلامي ابدا، حسب القرآن) .. بل هي دائما مرتبطة بـ (العناد) من بعد (المعرفة) و الشواهد حول ذلك كثيرة جدا في القرآن
فمن يقرأ القرآن و يحاول فهم سياقه، سيرى إن العقاب دائما مرتبط بـ (الكفر) و ان الكفر دائما مرتبط بـ (رفض العمل بـ او مخالفة ما قامت عليه الحجة لدى الانسان في داخل نفسه)
من المآخذ على مبدا (العناد والانقياد) قضية (الداعشي المتيقن من صحة ما يفعله) فيفجر نفسه في مجموعة من الابرياء، .. فهل ينطبق عليه مبدأ (الانقياد) فيكافئه الله على ذلك ؟ على الرغم من انه تسبب بكل ذلك الدمار ؟
يتبع في موضوع آخر ماذا يريد الله (3) .. .. وارائكم ستثري الموضوع أكثر