حفل غليون السلام:
بالنظر في عقيدة الهنود الحمر، نجد أن تدخين التبغ، وبخاصة عبر الغليون، يعد أمرا دينيا مقدسا لديهم، مرتبطا بعالم الروحانيات أي بعالم الجن والشياطين؛ “فيما يعتقد الكثيرون أن الفائدة القوية لكل الأشياء يمكن أن تنبع من الاحترام والاستخدام المناسب للغليون، ولكن يجب أن ينظر إليه على أنه وساطة روحية لحامل الغليون، يحدث هذا بغض النظر عن اصولهم أو لونهم. يمكن أن يصبح الغليون محفز قوي لجلب شعور عظيم لأمنا الأرض ولكل شيء حي. ولقد تنبأ الأيل الأسود Black Elk أننا سنمضي قدما في جموع كالمشاعل لنحقق تغييرا فعالا فيما يأتي لهذا الجيل، الغليون، وحامل الغليون الموقر، بمثابة قوة لنشر الأساس الروحي للهدف المنشود لهذا الشعب. يوجد حتى الآن عدد محدود جدا من الأمريكان الأصليين حاملي الغليون لإنجاز كل هذا بمفردهم”.([13])
الاستخدام الاحتفالي لغليون السلام هو أحد الطقوس البسيطة، فيعد غليون السلام بمثابة مجمرة متنقلة. يتم ملئه بالتبغ، والتبغ فقط، أو تبغ مغاير يطلق عليه كنيك كنيك kinnic kinnick، وما هو إلا لحاء الصفصاف الأحمر وغير مهلوس. ولحاء الصفصاف الأحمر ذو رائحة عطرة، وخدم في الأيام الخوالي كبديل، عندما كان التبغ شحيحا في السهول الفسيحة.
لا يوجد أي شكل من المواد المغيبة للعقل يتم التغاضى عنه لدى ديانة الأمريكان الأصليين التقليديون. فبكل أسف، البيوت peyote (من نبات الصبار بشكل قبة يشتق منه الميسكالين Mescaline وهو مركب مخدر يسبب الهلاوس البصرية)، برعم صبار يغير العقلية، مقترن بصورة غير شرعية مع الديانة التقليدية للأمريكان الأصليين والمراسم. صحيح أن طريقة الأمريكان الأصليين تجد الروح العظمى خلال “عصائرنا الخاصة” (الصيام، المعرفة الاحتفالات برب الخلق، ورقصة الشمس، سعي الرؤية Vision Quest (هي طقوس العبور في بعض الثقافات الأمريكية الأصلية)، ([14]) واحتفالات Sweat Lodge (مبنى يصب فيه الماء على الحجارة الساخنة لجعل العرق يتصبب لأغراض دينية وطبية ومنه ابتكرت حمامات البخار) ([15]) لسنا في حاجة مواد مهلوسة). ([16])
يبدأ حفل الغليون بتحميل التبغ، وهي مادة طبيعية، في الغليون ومن ثم الإقرار بالاتجاهات الأربعة، والأرض الأم، والأب السماء، إنه يبلغ الذروة مع النسك النهائي للروح العظيم. يحمل الغليون بحزم من وعاء في كف اليد مع الجذع المتجه نحو الخارج. الخطوة الأخيرة من نسك الغليون هو رفع الغليون مع جذعه متوجها مبشارة لأعلى، انطلاقا إلى مركز الكون. رغم أن الهندي يعترف بأن الرب موجود في كل مكان، فإنه في الحفل، يعتبر واكان تانكا Wakan Tanka على النحو الوارد أعلاه.([17]) ( في طريقة حياة قبيلة السو Sioux، نجد أن واكان تانكا Wakan Tanka هو تعبيرا عن (المقدس) أو (الإلهي). هو عادة ما يترجم على أنه “الروح العظيم”. على أية حال، ووفقا لقول رولس مينز Russell Means؛ فإن معناها أقرب ما يكون إلى “لغز عظيم” كما أن روحانية Lakota (لاكوتا قبيلة من سكان أمريكا الأصليين) غير توحيدية. قبل الشروع في التحول إلى المسيحية، استخدمت واكا تانكا للإشارة إلى الكيانات المقدسة التي كانت طرقا غامضة؛ وكذلك، “اللغز العظيم”. وهي تفهم على وجه الإجمال على أنها القوة أو القداسة التي تستقر في كل شيء)([18])
يقف حامل الغليون في مواجهة المشرق، حاملا الغليون بيد واحدة من جذعه في اتجاه المشرق، وحفنة من التبغ في الأخرى، وينثر بعض التبغ على الأرض، قبل وضع التبغ في جفنة الغليون، بنثر جزء على الأرض، يكون حامل الغليون مقرا بأننا جيب علينا دائما أن نرد على الأرض الأم جزءا مما اتخذناه منها. النثر يدل أيضا على الرؤية لروح العالم ذلك الجزء من التبغ هو للقوى من الشرق. ويمكن لحامل الغليون أن يقول: ([19])
وبالفعل كان التدخين أكثر من مجرد (عبادة)، وعلى وجه الخصوص بين القبائل المقيمة في منطقة كلاماث Klamath السفلى. في اقتصاد الكاروك Karok،([20]) لم تكن ممارسة التدخين لمجرد المتعة فقط، وإنما كان دائما من أجل إتمام شيء حتمي: باعتباره جزءا من الروتين اليومي، أو كأحد الطقوس الواجبة بحسب الأعراف القبلية … أما السيقان فيصنعون منها تبغا رديئا، والذي استخدموه لأغراض ما كقرابين تهدى إلى “الأرواح” (أي شياطين الجن)، وفي السحر، وفي التعاويذ. ([21]) وكان يتم تصنيع الغلايين من الخشب أو الحجر الأملس، أو في بعض الأحيان من أنبوب خشبي ذو جفنة من الحجر الأملس. ([22])
إنهم يجلون ويرهبون الشيطان جدا، ويقول البوراتيوس: أنهم يمكنهم رؤيته وشاهدوه مرات عديدة. رسموا شكله على حليهم ومجسما على الخشب وعلى كل الأشياء و الأماكن التي يجلونها أكثر من غيرها. هؤلاء البوراتيوس هم كهنتهم، وفي كل قرية هامة يوجد بوراتيو ليذهب إليه الجميع، ليسألوه عما سوف يحدث مستقبلا، سوآءا كانت ستمطر، أو إذا ما سيكون هذا العالم جافا أو خصبا، أو إذا ما يجب أن ينطلقوا لقتال أعداهم أو يمتنعون عن القيام بذلك، أو ما إذا كان المسيحيين مؤهلين جيدا أو سيقتلونهم، أو أخيرا، يسألون عن كل ما يرغبون في معرفته، ويقول البوراتيو لهم أنه سوف يرد عليهم، بعدما يتشاور مع الشيطان.
ولكي تتم الاستشارة يعزل نفسه وحيدا داخل مقصورة، وهناك يستخدم بعض الأشياء التي يطلقون عليها تاباكوس tabacos، فيصنع تدخين بالأعشاب من هذا النوع الذي يجردهم من الإحساس: فيمر عليه يوم واحد، أو اثنين أو ثلاثة، ولا يزال البوراتيو ملازما الصمت ولا يخرج. وبمجرد أن يخرج يقول لهم: هذا هو ما يقوله الشيطان له. فالإجابة على الأسئلة التي تم السؤال عنها، تكون وفقا لرغبات هؤلاء الذين يرغب في إرضاءهم. وفي مقابل هذا العمل يقدمون حليا ذهبية أو أشياء أخرى للبرواتيو. من أجل تلك المسائل غير ذات الأهمية كذلك فإن للهنود طريقة أخرى، يوجد في الريف عشبة يطلقون عليها تاباكو tabaco، وهي بارة عن نوع من النبات، تبلغ الساق في الطول إلى مثل الصدر الإنسان … ويزرعون هذه العشبة ويحفظون البذر التي ينتج ليزرع في العام المقبل ويعالجونها بعناية لتحقيق النبوءات.
عندما يقطفون الأرواق يضعونهم معا ويعلقونهم لتجفيفهم في مجموعات بالدخان ويحفظونهم هناك، والإنتاج عزيز جدا على الهنود، لمعرفة ما إذا كان السمك أو النبات أو لمعرفة ما إذا كان يجب الصيد أو إذا كانت زوجته محبة له كل واحد هو عرافه الخاص به، منذ، لفوا الأوراق هذه العشبة في لفافة في حجم عرنوس الذرة، يسعلونها من إحدى أطرافها، ويحملونها بينما هي تشتعل في أفواههم، وينفثون لينبعث الدخان، وعندما تشتعل للنصف يلقون ما طوي من السيجار. إذا بقي الجزء المشتعل من التبغ صالحا على شكل منجل منحني، فإنه علامة على أن الشيء الذي يرغبون فيه سيحصلون عليه: وإذا اشتعل قدر مستقيم، فإنه دليل على أن العكس مما يغربون فيه سيحدث، وما يأملونه جيدا سوف يكون سيئا. وكانوا يعتقدون اعتقادا راسخا أن لا أحد ولا أي شخص يستطيع بما فيه الكفاية لحملهم على تصديق أي شيء آخر. ([23])
يوجد لدى أساطير الأمريكان الأصليين، واكان تانكا Wakan Tanka (اللغز العظيم) هو الكائن العلوي وخالق اللاكوتا سيو Lakota Sioux. يطلق عليه أحيانا الروح العظيم (أي الجن العظيم)، وهو مشابه للكائنات العليا الموجودة في أساطير العديد من شعوب أمريكان الشمال المختلفة.
وفقا لأسطورة لاكوتا، كان موجودا قبل نشأة واكان تانكا في فراغ عظيم يطلق عليه هانHan (الظلام). ولإحساسه بالعزلة، قرر أن يخلق رفقاء لنفسه. في البداية ركز الروح العظيم طاقته إلى داخل قوة قادرة على تشكيل إنيان Inyan (صخرة)، الإله الأول. ثم استخدم إنيان لخلق ماكاMaka (الأرض) ومن ثم اقترن بذلك الإله لإنتاج سكان Skan (السماء). وجلب وي Wi (الشمس) من إنيان لتجري في سكان، وماكا، وهو بنفسه. تلك الأربع آلهة كانوا منفصلين وذوي قوة، لكنهم جميعا كانوا جزءا لا يتجزأ من واكان تنكا.
أنتجت الأربعة آلهة الأول أربعة رفقاء، القمر، والرياح، والشهب، وطائر الرعد للمساعدة في عملية الخلق. في المقابل، فإن هؤلاء الرفاق أنتجوا آلهة عديدة وأرواح، بما في ذلك الإعصار، وأربعة رياح، والجاموس، والمخلوقات ذوات القدمين (الإنسان والدببة)، وسيكن Sicun (الفكر)، وناجي Nagi (روح الموت)، ونيا Niya (نفس الحياة)، ونجيلا Nagila (الظل). وكلنت كل تلك الكائنات جوانب لواكان تنكا. قاموا معا بإنشاء والإشراف على كل شيء مما هو موجود. ([24])
إن الكاشيناس Kachinas، هي أرواح الموتى التي تربط بين العوالم البشرية والروحية، والتي تلعب دورا هاما في أساطير شعوب الهنود الحمر Pueblo في غرب الولايات المتحدة، بما في ذلك هنودالزوني Zuni والهوبي Hopi. ([25])
ووفقا للمصطلح الإسلامي فإن الكاشيناس هم عالم القرائن التي تربط بين البشر والجن، وهو ما يعرف لدى الغربيين بتحضير الأرواح أي تحضير القرائن، ولكن يغيب لديهم مصطلح (القرين) الذي تفرد القرآن الكريم بذكره، ولإنكارهم وجود عالم الجن رفضوا الإذعان للمصطلح القرآني، وخروجا من المأزق الحرج اكتفوا بتسمية القرائن (أرواح) نسبة إلى (جنس الأرواح) الذي ينتمون إليه، وهو جنس يشمل عوالم الملائكة والجن، والقرائن، والأرواح. ومنا من ينساق وراء مسمياتهم المطلقة، وبالتالي تتذبذب بين أيدينا المؤشرات والأدلة، مما يفضي إلى تشويه الصورة، وضبابية الرؤية.