الزار والصلح مع الجن:
(والذبح شيء أساسي في الزار، وتختلف أنواع الذبائح باختلاف أنواع الجن وحسب الحالة الإقتصادية، ويوجد عند أصحاب الزار ما يعرف (بالماينجة) (في الغالب كلمة أمهرية هاجرت مع الزار، وهى مقبرة توجد في منزل الشيخة، يدفن فيها مخلفات الذبائح لكل زار أشرفت الشيخة على إقامته، ووجود الماينجة حاليًا أمر نادر نظرًا لضيق المساكن، ولأنه أمر لم يعد مستحبًا).( )
(وزار الجبل هو رحلة خلوية لا يختلف عن زار البحر إلا من ناحية المكان، فيكون في حي الإمام بجوار سيدي عقبة حيث يقام في حوش نجفة، وتزف العروسة إلى بئر وسط المقابر يطلقون عليه اسم الساقية وهى بئر عميقة تستخدم كما يتجه لإلقاء بقايا الذبيحة، ثم تأخذ العروسة بعد ذلك إلى مقام الست خضرة لعمل بعض الطقوس ثم العودة إلى حوش نجفة لاستكمال الزار).( )
وهناك بعد كل ذلك حوار بين الجان الذي يتحدث بلسان العروسة وبين الشيخة،.. ويتم الحوار الذي تعرف فيه الشيخة حالة العروسة وطلباته السرية وما يمرضها وفى حالة الذروة تثبت الشيخة عيناها في عين المريضة( ) وهى تلعب بالمبخرة حول رأسها وتدفع المريضة إلى الاعتراف بكل شيء).( )
ويحدث ذلك تمهيدًا للذبح وتنفيذًا لأوامر الجن (فإذا كان مثلا (ياوره) هو الجن الذي حل في جسد العروسة، فإنه يجب ذبح زوج حمام أحمر كجزء من طلباته، وتجلس العروسة في هذا المشهد على الأرض، في وضع الركوع، وأمامها المبخرة وتقوم الشيخة بتبخير زوج للحمام ثم تدور بهما حول العروسة قائلة: (بسم الله العلي العظيم، رب العرش الكريم، طايع له جميع العاصين السماح أهل السماح..كانوا ملاح.. إلخ). وفى أثناء الأداء تقوم الشيخة بوضع حمامة على كتف العروسة، والحمامة الأخرى على الكتف الآخر، ثم على رأس العروسة، بعدها تأخذ العروسة زوج الحمام لترقص به على دقة (ياورة) الذي أقيم الزار من أجله).( )
إلى أن تصل إلى حالة من الهدوء والسكينة، الأمر الذي يدل على وصول العروسة إلى عقد الصلح مع الجن.. ويتعهد الجن للشيخة في صوت مسموع، وفى حوار قصير، وهو حال في جسد العروسة، أي أن الذي يتحدث في هذه اللحظة ليست العروسة وإنما الجن الذي يشترط ويطلب طلبات محددة كأن تنام العروسة بمفردها يوم الخميس أو أي يوم آخر، وتقوم الشيخة بمساومة الجن والضغط عليه كأن تقول له مثلا: (أنها متزوجة ولا يصح هذا) ثم يقول الجن على لسان العروسة: إذن تدق لي الزار كل عام في يوم شم النسيم.( )
(وهكذا يتم الصلح والاتفاق بالعهد الذي تأخذه الشيخة على الجن وبشهادة الحضور وأهل الممسوسة. وفى فجر اليوم التالي، تقدم الذبائح بعد تبخيرها، وأحيانا (تقفز) العروسة معها.. ولا تشرب العروسة من دم الذبيحة، كان هذا يحدث في الماضي ولا يحدث الآن، بل يكتفي فقط بوضع نقطة دم على جبين العروسة وأحيانا يلطخ جلبابها الأبيض بالدم وهو ما يعرف في الزار بعملية (التزفير).( )
وإن العروسة في الزار يجب أن تأكل كبدة الذبيحة تأكيدًا للعهد الذي تأخذه على نفسها أمام أو في وجود الشيخة، كما أنها هي التي تفتتح أكل الذبيحة).( )
والحقيقة أن الذي يفتتح أكل الذبيحة هو الشيطان أو الجني المتلبس بالمريضة فهكذا يأكل الشيطان مما لم يذكر اسم الله عليه، إن تلك الطقوس التعبدية، بما تحمله من ولاء للشيطان وانقياد له كل ذلك يعد منكرًا من جهة الشرع بلا خلاف، ولكن لا نستطيع رميهم بالدجل من جهة حضور الجن وحصول المس وتسلط الشيطان على الإنسان، ولا يصح أن نعمم صفة الدجل على حقيقة وجود الجن مستندين في ذلك إلى تلك الطقوس التعبدية، وإلا فمن أوحى إلى الخيال الشعبي تلك الطقوس بشروط محددة ودقات الزار بنغمة معينة؟ أليس كائن آخر غير الإنسان ألا وهو الشيطان؟!
فمن الخطأ أن ننكر وجود الجن وحصول المس تبعًا لإنكارنا الوسيلة التي يتعامل بها هذا الصنف من السحرة وإخوان الجن الشياطين، طالما أن الأصل في إثبات ذلك كله هو كتاب الله، هذا إذا لم يخالفنا المعارضون في الاحتكام إلى كتاب الله والسنة.
أما إذا خالفونا في قبول الاحتكام إلى الكتاب والسنة، إذًا فالقضية التي يجب أن نتجاور فيها أولاً هي قضية الإيمان بالكتاب والسنة، ومن الخطأ الجسيم أن يجرنا هؤلاء العلمانيون إلى المناظرة في حلقة مفرغة لن نصل في نهايتها إلى نقطة بداية والنتيجة أننا سنضطر للدفاع عن أنفسنا بدلاً من أن نتخذ الهجوم وسيلة للدفاع.