الزار واسترضاء الجن:
إن الزار في حقيقته محاولة من قبل الإنس لاسترضاء الجن، وفى نفس ذات الوقت هو فرصة عظيمة لاستماع الجن بفرض سيطرتهم وبسط هيمنتهم على الإنس، بل وإعلانا لانتصارهم عليهم، ويتضح لنا هذا من تتبعنا لأنواع الجن المختلفة في الزار وتنوع تعبيراتهم المختلفة عن زهوهم بالنصر. ففي حالة حضور الجن على الجسد، يبدأ الجن في استخدام الجسد كوسيلة [لتقبيل النساء الحاضرات ولمسهن في أماكن مختلفة]، مما يجعله مظهرًا شاذًا وصورة من صور السحاق، وتتنوع صور الشذوذ، لدرجة أن (تقفز العروسة وهى ممسكة بالصليب فقط في يدها في أثناء دقة الدير، أو بالاستعانة فقط بطربوش أحمر بدون شغل القصب عليه في دور دقة (ياوره) وهكذا). ( ).. (جادو)، وهو الذي يسكن الحمامات، فعندما يكون متلبسًا للعروسة، نجدها في أثناء (التفقير) في وضع السجود تدق بيدها اليمنى على الأرض ثم اليسرى بالتتابع، ثم تقوم بكنس المكان.. والجنة (روكشى) التي لا يتعدى عمرها في المعتقد الشعبي ست سنوات، تكون حركاتها في (التفقير) رقصا شرقيا أي هز بطن.. وهناك دقة (سليلة) وهى حركة تتمايل فيها العروسة يمينا وشمالاً وهى تنظر في أثناء وضع المكياج على وجهها، وهذه الدقة تدق للفتيات المفتونات بذاتهن.. وفى دقة الدير أو الخواجة النصراني يكون الجن قسًا، وتكون حركته في الزار من خلال مسكه صليبًا في يده يضعه في مواجهة وجوه المدعوين وهو يرتدى ملابس القساوسة.. ودقة العربي، (تفقر) عليها العروسة وهى قابضة بيدها على مقبض السيف حيث تلوح به العروسة في الهواء طوال (التفقير). ( )
(وهناك من السيدات والشيخات من يحرصن على الالتزام بالملابس في أبسط التفاصيل لاعتقادهن بأن بارتكاب أدنى خطأ قد يفسد العلاقة مع الجن، لذا يحرصن كل الحرص على تقديم كافة الطلبات التي كانت من شروط الجن، وفى حضور وشهادة الشيخة وجمهور الحاضرين).( )
أما بالنسبة للقرابين فتختلف من نوع جن إلى آخر، وكل جن حسب دينه وملته ومزاجه الخاص ولا مانع أن تقدم له الخمور، كل ملبوس ومريض حسب طاقته المادية، بدأ من البيرة وانتهاء بأغلى أنواع الخمور، ثم يوضع كله على البوفيه، وهو مائدة مستطيلة يوضع في ركن من أركان المكان عليه مفرش نظيف وعليه طلبات السيد المقام له الزار، فإذا كان الدير مثلا نجد على المائدة أنواعًا متعددة من الجبن والزيتون وزجاجات البيرة، فهذه طلبات الدير، وتعلق على الجدار عند البوفيه صورة .. العذراء و.. المسيح وماري جرجس، بالإضافة إلى الصلبان والشمع الأبيض المصلب.( )
وعجبًا لذلك الحرص الشديد على الالتزام بأوامر الجن، بينما نجد ذلك التفلت الرهيب من الالتزام بدين الله عز وجل! مع أن الناس لو توكلوا على رب العزة حق التوكل لكفاهم شر الإنس والجن ولكفاهم عذاب السعير، ولكنها عبادة الشيطان تمارس تحت ستار من كلمة التوحيد [ لا إله إلا الله محمد رسول الله]، ثم بعد ذلك يفعل كل نقيض لها، والاسم مسلمون والإسلام بريء منا براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام.
وتقوم النسوة برش الملح، ثم يقوم (السنجق) وهو (ريس) الجوقة السوداني والذي يعزف على آلة الطنبورة، يذبح ديك العتبة وهى عتبة بيت العروسة ثم يضع على جبينها نقطة دم الذبيحة، وتسمى (الفتوحات) وبعد أن (تقفز) العروسة مع الأفريقي والمنجور يبدأ دق الزار حسب أصول مرعية).(