بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين





الشبهة :

إذا كان البدن هو وسيلة وصول العذاب إلى الروح ، فلا يمكن ان تعذّب الروح أو تُثاب وقد فارقت البدن وتعرّض هو للانحلال والبلى
.
الجواب:
دلّت الأخبار على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه، أو لعذاب إن كان يستحقه، وذلك إمّا بإحياء بدنه الدنيوي ، أو بالحاق روحه في بدن مثالي، وفيما يلي نبين كلا الأمرين مع أدلتهما من الحديث.
أولاً: إحياء البدن الدنيوي: أي أن الله تعالى يعيد الروح إلى بدن الميت في قبره ، كما تدلّ عليه ظواهر كثير من الأخبار ، منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث ـ قال: « تعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه»(1)
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: « فإذا دخل حفرته ، رُدّت الروح في جسده ، وجاءه ملكا القبر فامتحناه »(2).
وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: « ثم يدخل ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر منكر ونكير ، فيقعدانه ويلقيان فيه الروح إلى حقويه »(3).
ومن هنا قيل: إن الحياة في القبر حياة برزخية ناقصة ، ليس معها من آثار الحياة سوى الاحساس بالألم واللذة، أي إن تعلّق الروح بالبدن تعلّقٌ ضعيف ، لأن الله سبحانه يعيد إلى الميت في القبر نوع حياة قدرما يتألم ويلتذّ (4) .
ثانياً: التعلّق بالجسد المثالي: ورد في الأخبار أن الله سبحانه يسكن الروح جسداً مثالياً لطيفاً في عالم البرزخ، يشبه جسد الدنيا، للمساءلة والثواب والعقاب ، فتتنعّم به أو تتألم إلى أن تقوم الساعة ، فتعود عند ذلك إلى بدنها كما كانت عليه(5).
عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أرواح المؤمنين. فقال : « في الجنة على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت فلان »(6).
وعن يونس بن ظبيان، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً فقال : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟» قلت : يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش. فقال أبو عبدالله عليه السلام: « سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس، المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا » (7).
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: «المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدانٍ كأبدانهم»(8)، وهناك أحاديث اُخرى تدلّ على ما ذكرناه (9).
وعلى ضوء ما تقدّم، فإنّ المراد بحياة القبر في أكثر الأخبار هو النشأة الثانية للإنسان في عالم البرزخ، والذي تتعلّق فيه الروح ببدنها المثالي، وبذلك يستقيم فهم جميع ما ورد في آيات وأخبار دالة على تجرّد الروح وعلى ثواب القبر وعذابه، واتساعه وضيقه وحركة الروح وطيرانها، وزيارة الأموات لأهلهم وغيرها.
العلم يؤيد وجود الجسد المثالي : وتقرر تجارب علماء استحضار الأرواح حقيقة الأجسام المثالية ، حيث يقول أشياع هذا المذهب : إن الموت في حدّ ذاته ليس إلاّ انتقالاً من حال مادي جسدي إلى حال مادي آخر ولكن أرقّ منه وألطف كثيراً ، وأنهم يعتقدون أن للروح جسماً مادياً شفافاً لطيفاً ألطف من هذه المادة جداً ، ولذلك لا تسري عليه قوانينها (10).
هل إن ذلك من التناسخ الباطل ؟
وقد يتوهّم أن القول بتعلق الأرواح بعد مفارقة أبدانها بأشباح اُخر هو ضرب من التناسخ الباطل، وهو غير صحيح ، لأن العمدة في نفي التناسخ ضرورة الدين وإجماع المسلمين ، وقد قال بالأبدان المثالية كثير من المسلمين من المتكلمين والمحدثين، ودلّت عليه أخبار الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، والتناسخية إنما كفروا بإنكارهم المعاد والثواب والعقاب ، وقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم ، وإنكارهم النشأة الاُخرى ، وإنكارهم الصانع والأنبياء ، وسقوط التكاليف، ونحو ذلك من أقوالهم السخيفة (11).

_______________
(1) الدر المنثور / السيوطي 5 : 28.
(2) الكافي / الكليني 3 : 234/3.
(3) الكافي / الكليني 3 : 239/12.
(4) راجع : الأربعين / البهائي : 492.
(5) راجع : أوائل المقالات / المفيد : 77 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 88 ـ 89 ، المسائل السروية/ المفيد : 63 ـ 64 ـ المسألة (5) ، الأربعين / البهائي : 504.
(6) التهذيب / الطوسي 1 : 466/172.
(7) التهذيب / الطوسي 1 : 466/171 ، الكافي / الكليني 3 : 245/6.
(8) الكافي / الكليني 3 : 244/1.
(9) راجع : الكافي / الكليني 3 : 244/3 ، و245/7.
(10) دائرة معارف القرن العشرين / وجدي 4 : 375.
(11) حق اليقين / عبدالله شبر 2 : 50 ، الأربعين / البهائي : 505 ، بحار الأنوار 6 : 271 و278.