بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين





من القصص العجيبة التي وردت في القرآن الكريم هي قصة قـارون، فهو ابن عم أو عم وابن خالة النبي موسـى(ع)، وكان ذو عـلم ووحـي وإحاطة بالتوراة، وهو من المؤمنيـن الأوائل ولكن غـروره وثروته أوقعاه في أحضان الكفر والضــلالة، فأخلـد الأرض: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ)

قال تعالى في كتابه الكريم:


(وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ). لقد كان يرتل

التوراة بصوتٍ جميل، ولا يوجد مثله من بني إسرائيل في قراءته وفهمه التوراة.

قال ابن عباس: ان مفاتيح خزائنه يحملها على الدوام أربعين رجل، وهو من علماء بني إسرائيل بعد موسى وهارون، ولا يوجد أعلم وأفضل منه في بني إسرائيل، وجهه جميل وصوته عذب لطيف.

قالوا: إنه كان يعبد الله مدة أربعين عاماً، وكان أزهد وأعبد قومه. وكان إبليس يرسل الشياطين ليوسوسوا له ويغرونه ويحببون له الدنيا ولكنهم يرجعون خائبين.

وأخيراً أوقع الشيطان بحيله حب المال في قلبه، وعندها تركه وقال: لقد فعلت الذي أريده لقد أوقعته في شباكي، (حب الدنيا رأس كل خطيئة). قال تعالى:(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى # أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ).

فأقبلت الدنيا على قارون إلى حد أنه جمع أموالاً وثروة طائلة. وجاء الأمر إلى موسى (ع) بأن يأمر بني إسرائيل بدفع الزكاة.

فقال قارون: أنا أعطي من كل شيء عندي بنسبة واحدة في ألف من الألف ديناراً أو من الألف درهم أعطي درهماً، ومن الألف شاة أعطي شاةً، فصالحه موسى (ع) على ذلك، وعندما رجع قارون إلى بيته وأحصى زكاته فوجدها قد بلغت مبلغاً عظيماً، فامتنع عن دفع الزكاة وقال: يجب أن أعمل عملاً أمنع فيه بني إسرائيل من دفع الزكاة، فقال لهم: إن موسى فعل بكم ما أراد فعله والآن لم يبق إلا أن يأخذ أموالكم بحجة الزكاة.

فقالوا له: أنت سيدنا وكل ما تأمرنا فستجدنا من الطائعين والمنفدين لأوامرك.

فقال لهم: اذهبوا إلى فلانة الباغية، أعطوها مبلغاً من المال، وقولوا لها: غداً أعلني في بني إسرائيل بأن موسى (ع) فجر بك!!

وفي صباح اليوم الثاني أعلن موسى (ع) أنه كل من يسرق تقطع يده، وكل من يفتري على أحد يجلد ثمانين جلدة، وكل من يزني وليس عنده زوجة يجلد مائة جلدة، وإذا كان متزوجاً فيرجم حتى الموت.

فقال قارون: يا موسى لو كان الزاني أنت؟

فقال(ع): يطبق نفس الحكم.

فقال قارون: إن بني إسرائيل يقولون أنك زنيت بفلانة.

فقال موسى (ع) : احضروها، فلما حضرت، قال لها: أنا زنيت بك؟

فتحيرت المرأة بماذا تجيب لأنها وقعت في حرج، فسكتت.

فقال لها موسى: أقسم عليك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا تكلمت.

فأدركتها الرحمة الإلهية، وقال: لا أقول إلا الصدق؛ لأن النجاة في الصدق، يا موسى إن قارون أعطاني مبلغاً من المال لكي أفتري عليك كذباً واتهمك هذه التهمة، فسجد موسى وأجهش بالبكاء، وقال: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي.

فهبط عليه الوحي وقال له: يا موسى مُر الأرض بما شئت فإنها مطيعة.

فقال موسى (ع) لبني إسرائيل: إن الله سبحانه وتعالى أمرني بإهلاك قارون كما أمرني بإهلاك فرعون، فالذي يريد أن يتركه فليتركه. فانفض عنه الجميع ما عدا اثنان بقيا معه، فقال موسى(ع) يا أرض خذيهم. فغاصوا في الأرض إلى ركبهم، فقال مرة أخرى: يا أرض خذيهم، فبلعتهم الأرض إلى رقابهم، فلما رأى قارون قدرة الله ودنو حتفه استغاث بموسى (ع) وأقسم عليه بصلة الرحم التي بينه وبين موسى، أقسم عليه سبعون مرة وأخذ يولول ويصيح، فلم يعبأ موسى لإستغاثته وقسمه، وقال: يا أرض خذيهم، فبلعتهم الأرض وتلاشوا فيها!!! قال تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)

ورد أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى (ع) قائلاً: كم قاسي القلب أنت! لقد استغاث بك سبعون مرة فلم تغثه، بعزتي وجلالي لو أنه استغاث بي مرة واحدة لأجبت استغاثته وعفوت عنه!!!

نستفيد من هذه القصة:


الحذر الشديد من الشيطان العدو؛ )إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا( متى أراد الإنسان أن يقوم بعمل من أعمال البر والخير كان الشيطان له بالمرصاد يترصده كي يحول دون قيامه بذلك العمل، وإذا تمكن الشخص من انجازه سعى الشيطان لتخريبه وإفساده أو لإدخال الغرور والرياء في نفس الشخص المحسن.
الطاعة والتسليم للقيادة في أوامرها ونواهيها، والإجتناب عن مخالفتها لأنها تمثل شرع الله سبحانه وتعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ).
الوفاء بالوعد، إن قارون وعد النبي موسى(ع) بأن يعطي واحداً من كل ألف، وصالحه النبي (ع) على ذلك، فلم يفي قارون بوعده.
عصمة الأنبياء: وعليه فلا يمكن أن لا نقبل بحال من الأحوال أي شيء ينقص من مقامهم أو يمس بسمعتهم؛ لأنهم يمثلون حضيرة القدس، ولذلك أمرنا الله بطاعتهم والإقتداء بهم،(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
علينا أن نقبل عذر المعتذرين، وتوبة التائبين، امتثالاً لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى). وقد قبل موسى توبة المرأة بعد اعترافها بالخطيئة التي كادت أن تأدي بها إلى الهلاك، لولا عناية الله بها التي فتحت لها باب الأمل للعودة إلى الله وفتح صفحة جديدة على يد نبيه الذي من أهم أعماله إصلاح الإنسان وبنائه بناءً صحيحاً وسليماً في جميع جوانب حياته. وقد قال أبو عبد الله الحسين (ع) عندما أقبل إليه الحر نادماً: (من تاب تاب الله عليه).