هناك معبد بوذي يعرف باسم معبد ”سوزوموشي“ بمنطقة أراشيياما بمدينة كيوتو (الاسم الرسمي للمعبد هو ميوتوكوزان كيغون). ولطالما عشقت ذلك المعبد وذهبت إليه للصلاة. سيما وان الثلوج في فصل الشتاء تغطي سقف المعبد والأشجار المحيطة له وهو منظر جميل لا تستطيع ريشة الرسام أن تعبر عنه.
صوت ”الجدجد“ كعزف مصاحب للوعظ
ولعل شعبية هذا المعبد كبيرة لدرجة أن الناس يصطفون لزيارته فبعد أن تقف في الصف الطويل تدخل قاعة المعبد ثم تجد صناديق بلاستيكية شفافة بها العديد من حشرات الجدجد والتي تصدر أصواتها ذات الرنين الجميل. ومن المعروف أن حشرات الجدجد تصدر أصواتها في فصل الخريف فقط ولكن هنا في هذا المعبد تستطيع أن تستمتع بأصواتها طوال العام ففي اليابان وتحت تأثير المناخ الموسمي تأتي الظواهر الطبيعية بانتظام تقريبا وفي أوقاتها كل عام مثل تفتح زهرة الكرز، أوموسم الأمطار، أو إعصار ”التايفون“.
لكن كونك تسمع أصوات الجدجد على مدى العام فهذا شيء عجيب. ويقال أن رئيس الكهنة درس طريقة تربية حشرة الجدجد ونجح في التحكم بعملية تفقيس بيضها كل يوم. وتسمية حشرة الجدجد في اللغة اليابانية ترجع للصوت نفسه الذي يشبه صوت رنين الأجراس الصغيرة. ولذا ظهرت كثيرا في الشعر الياباني القديم. حيث استخدمتها ”موراساكي شيكيبو“ في روايتها الطويلة ”الأمير غينجي“ فهو صوت له سحر خاص يطرب الآذان ويريح النفس. وهنا في هذا المعبد يبدأ تلقيك الوعظ الديني بأصوات ”الجدجد“.
”جيزوو“ يمشي ويذهب ليحقق الآمال
ويشتهر أيضاً هذا المعبد بوجود ”جيزوو“ به وهو عبارة عن تمثال للإله الحامي والراعي للأطفال في البوذية. ووفقاً للكاهن فإن هذا الجيزوو له كرامات ومعجزات فهو يمشي ويذهب ليحقق ويلبي دعاء الناس. ويختلف هذا الجيزوو عن غيره بأنه ليس حافيا فهو يرتدي صندلا من القش حيث أنه يمشي ويذهب ليزور كل من يعاني ليخفف عنه معاناته. لكنّ المعجزات لا تحدث بالضرورة على الفور. فهذا يتوقف على مدى إيمانك به وبقدراته.
ولذا إذا قمت بتغيير مكان إقامتك قبل تحقق آمالك أو دعائك يجب عليك أن تأتي للإبلاغ عن عنوانك الجديد وإلاّ لن يستطيع الجيزوو أن يأتي ويصل إلى مكانك الجديد. ولم يتعجب اليابانيون من حولي من سماع هذا الحديث ولكني اندهشت كثيرا فقد نشأت مسيحياً وتفكيري متأصل بالفكر المسيحي الذي نعلم فيه أن الله قادر وعليم يعلم ويدرك كل شيء ولايستطيع أي إنسان أن يختفي عن عين الله. فَهُوَ دائما يراه ولذا إذا قمت باقتراف ذنب لم يره ولم يشعر أو يعرف به أحد فالله يراك ويعرف تمام المعرفة والعكس صحيح فإذا قمت بعمل خير فالله أيضا يعرف ذلك.
حذاء رياضي لإله له لمسة إنسانية
من ناحية أخرى فعلى مايبدو أن الآلهة في اليابان لها قوة خاصة وإرادة فالشنتو متعددة الآلهة وهناك آلهة لا حصر لها فيها. ولكل إله شخصيته المميزة مقتصراً بنفوذه أو قوته على منطقة معينة. وقد تأثرت البوذية بالشنتو وتوارث الإله في البوذية شخصية الإلهة في الشنتو. فالآلهة اليابانية أقرب في شخصيتها من الإنسان ولها وجود سهل الفهم فالطبع كونها آلهة يعني أن لديها قوة أكبر من الإنسان ولكن بالمقارنة بالمسيحية سنجد أن ألوهية الآلهة في اليابان ألوهية متواضعة بل ألوهية تميل أكثر إلى الحب والرحمة والحنان والإنسانية. وهناك من يقدم من زوار المعبد صنادلاً من القش كقربان إلى الجيزوو في معبد ”سوزوموشي“ سيّما وأنه يمشي ويذهب إلى الناس ليحقق آمالهم ويلبي دعائهم فلابد وأنه يستهلك الكثير من تلك الصنادل. ولكن الآن نستطيع أن نرى أحذية بل أحذية رياضية مثل التي نراها في الشوارع والمدن ولاشك أن الجيزوو نفسه يستعمل تلك الأحذية معبرا عن امتنانه كأي إنسان.