يقول : كان لي جار طفيلي, وكان من أحسن الناس منظرا وأعذبهم منطقا وأطيبهم رائحة وأجملهم ملبوسا, وكان من شأنه أني اذا دعيت الى دعوة تبعني, فيكرمه الناس من أجلي, ويظنون أنه صاحب لي.

فاتفق يوما أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده, فقلت في نفسي: كأني برسوله وقد جاء, وكأني بهذا الرجل قد تبعني, والله لئن تبعني لأفضحنّه.
فأنا على ذلك اذ جاء الرسول يدعوني, فما زدت على أن لبست ثيابي وخرجت, فاذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره وقد سبقني للتأهب, فتقدمت وتبعني, فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة, ودعي بالطعام, وحضرت الموائد, وكان كل جماعة على مائدة والطفيلي معي, فلما مدّ يده لتناول الطعام قلت:
حدثنا درست بن زياد, عن ابان بن طارق, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" من دخل دار قوم بغير اذنهم فأكل طعامهم دخل سارقا وخرج مغيرا".
فلما سمع ذلك قال: ما من أحد من الجماعة الا وهو يظن أنك تعرّض به دون صاحبه. أولا تستحي أن تحدث بهذا الكلام على مائدة سيّد من أطعم الطعام, وتبخل بطعام غيرك على من سواك؟ ثم لاتستحي أن تحدث عن درست بن زياد وهو ضعيف, وعن أبان بن طارق وهو متروك الحديثىيحكم برفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمون على خلافه, لأن حكم السارق القطع, وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الامام؟ وأين أنت من حديث: حدثنا أبو عاصم النبيل, عن ابن جريج, عن أبي الزبير, عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" طعام الواحد يكفي اثنين, وطعام الاثنين يكفي الأربعة, وطعام الأربعة يكفي الثمانية", وهواسناد صحيح.
قال منصور بن علي: فأفحمني, فلم يحضرني له جواب, فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق الى الجانب الآخر بعد أن يمشي ورائي وسمعته يقول:
ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب
بأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا