الزرادشتية هم فرقة من المجوس ووقد ورد ذكرالمجوس في القرآن الكريم :
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج : 17]
هل المجوسية من اهل الكتاب ؟
هناك خلاف بين الفقهاء لاختلاف استظهاراتهم من النصوص : فمنهم من ذهب الى ضمهم لاهل الكتاب مع اليهود والنصارى ومنهم من اخرجهم وخصص عنوان " اهل الكتاب " حقيقة في اليهود والنصارى ولهذا قد يعبر عن المجوس بـانهم ممن له شبهة كتاب ويمكن الرجوع للكتب الفقهية المفصلة للاطلاع على ادلة الطرفين والنظر فيها منها مثلا : الحدائق للبحراني 24 / 18 فقد بحث الموضوع بحثا مستفيضا .
وتنسب الزرادشتية لـ " زرادشت " الذي قيل انه ادعى النبوة وجاء بكتاب اسمه " الافستا " وهو كتاب الزرادشتية المقدس اليوم ودعى زرادشت لتوحيد الله سبحانه وذهب الى وجود قوتين دائمتي الصراع هما : النور ( = الخير ) والظلمة (= الشر ) ويحصل الفساد جراء مزج القوتين من قبل الله سبحانه لحكمة هو اعلم بها .
( عقائدهم وافكارهم )
تختلف المصادر بشأن تحديد بعض العقائد المنقولة عنهم مع الاتفاق على البعض الاخر :
ـ فنسمع عنهم انهم يعبدون النار مثلا وقد اشتهر هذا على لسان الناس ولعل اصله جاء من القلقشندي في صبح الاعشى كما سيأتي ، في حين انك تجد نفي ذلك في الفلم الوثائقي والميداني الذي اجرته " الجزيرة الوثائقية " .
نعم : هم يقدسون كل مصدر للنور ويقيمون صلواتهم الخمس تجاهه كالشمس والنار باعتبارها تجسد النور الالهي .
ـ قال الحلي في كشف المراد : ( والمجوس ذهبوا الى ان الخير من الله والشر من الشيطان لان الله خير محض وفاعل الشر شرير ) .
وقد " أجاب عن شبهة المجوس بوجهين: الأول: إذا كان المراد من الخير من يفعله ومن الشرير
من يصدر منه الشر، فلا مانع من كون شيء واحد وهو الله مبدأ لهما، وهذ الجواب ليس
حاسما للإشكال، لأن الإشكال بعد باق بحاله، إذ الخصم يقول: إذا كان مقتضى صدور شيء
من شيء، وجود رابطة بينهما فلازم صدور الأمرين المتضادين اشتماله على أمرين
متضادين، مع أنا فرضناه واحدا بسيطا، وعلى فرض جواز التركيب، المتضادان لا يجتمعان.
الثاني وهو الجواب الحقيقي: أن الشر ليس له مصداق في الخارج وإنما هو أمر إضافي
ينتزع من قياس شيء إلى شيء آخر، فإذا كان بينهما عدم الملاءمة، يقال: إنه شر كما
أوضح في محله، وليس العدم إلا أمرا قياسي. / تعليق السبحاني على كشف المراد
ويعبرون عن " فاعل الخير " بيزدان وعن " فاعل الشر " بـ اهرمن .
والتاكيد على والشر و الظلمة والخير و النور وتكرارها في الادبيات الزرادشتية امر مفروغ منه.
ـ وينقل ايضا ان من الادبيات الزرادشتية وجوب احترام وتوقير العناصر الاربعة : النار والتراب والهواء والماء وفيها حماية للبيئة وفي حال تلويها ستعذب ، وقد ورد في الافستا التاكيد على الزراعة واعتبارها عملا صالحا .
ـ يرفع الزرادشت اصبعا واحدا تارة للدلالة على وحدة الله واخرى اصبعين للدلالة على الوحدة والالتزام بالتعاليم الزرادشتية ، يذكر ان رفع الاصبع خصوصا في الصلاة مما يقوم به اهل السنة.
( اماكن تواجدهم )
ايران هي اكثر ما يتواجد الزرادشتيون فيها كما هو اصل المجوسية وتحديدا في " يزد " احدى محافظات ايران ولهم فيها معبد وله كهنة يعملون على ابقاء النار مشتعلة شريطة الا تمس جسد وانفاس الكاهن وقد نقلت التقارير الوثائقية انهم استطاعوا الحفاظ على نار لهم في معبدهم موقدة لألف سنة ويقدر عددهم اليوم بعشرين الف ، ويجتمع الزرادشت في كل سنة ليحتفلوا بعيد النيروز ، عيد راس السنة الايرانية وهو يوم ميلاد زرادشت فاصله زرادشتي وهو جزء من تاثر الايرانين بالزرادشت .
( شعارهم )
ـ ويمثل شعارهم ذو الاجنحة الثلاثة هذا ضرورة التزام النفس البشرية بمبدأ ثلاثي : الفكر الصالح والقول الصالح والعمل الصالح .
( ما نقله المؤرخون عنهم )
نكتفي بنقل احد اشهر المؤرخين الذين كتبوا في تاريخ الاديان وهو القلقشندي في صبح الاعشى ـ مع التحفظ على بعض عباراته ـ قال في الجزء 13 / ص 294 : بعد ان ذكر الملة الثالثة " المجوسية " وذكر انها ثلاث فرق :
الفرقة الاولى : الكيومرتية . والفرقة الثانية : والثنوية قال :
الفرقة الثالثة – الزّرادشتية .
الدائنون بدين المجوسيّة - وهم أتباع زرادشت الذي ظهر في زمن كيستاسف السّابع من ملوك الكيانية ، وهم الطَّبقة الثانية من ملوك الفرس ، وادّعى النبوّة وقال بوحدانيّة اللَّه تعالى ، وأنّه واحد لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ ، وأنه خالق النّور والظَّلمة ومبدعهما ، وأن الخير والشّرّ والصّلاح والفساد إنما حصل من امتزاجهما ، وأن اللَّه تعالى هو الذي مزجهما لحكمة [ رآها ] في التركيب ، وأنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم ، وأنّه لا يزال الامتزاج حتّى يغلب النّور الظَّلمة ، ثم يخلص الخير في عالمه وينحطَّ الشّر إلى عالمه ، وحينئذ تكون القيامة .
وقال باستقبال المشرق حيث مطلع الأنوار ، والأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، واجتناب الخبائث . وأتى بكتاب قيل صنّفه ، وقيل أنزل عليه .
قال الشّهرستاني : اسمه « زندوستا » وقال المسعوديّ في « التنبيه والإشراف » : واسم هذا الكتاب « الإيستا » وإذا عرّب أثبتت فيه قاف فقيل :« الإيستاق » وعدد سوره إحدى وعشرون سورة ، تقع كلّ سورة في مائتي ورقة ؛ وعدد حروفه ستّون حرفا ، لكلّ حرف سورة مفردة ، فيها حروف تتكرر وفيها حروف تسقط . قال : وزرادشت هو الذي أحدث هذا الخطَّ والمجوس تسمّيه : دين تبره ، أي كتاب الدين .
وذكر أنه كتب باللغة الفارسيّة الأولى في اثني عشر ألف جلد ثور بقضبان الذّهب حفرا ، وأن أحدا اليوم لا يعرف معنى تلك اللغة ، وإنما نقل لهم إلى هذه الفارسية شيء من السّور في أيديهم يقرؤونها في صلواتهم : في بعضها الخبر عن مبتدإ العالم ومنتهاه ، وفي بعضها مواعظ .
قال : وعمل زرادشت لكتاب « الإيستا » شرحا سماه « الزند » ومعناه عندهم : ترجمة كلام الرّب ، ثم عمل لكتاب « الزند » شرحا سماه : « بادزنده » وعملت علماؤهم لذلك الشّرح شرحا سموه : « يازده » .
ومن حيث اختلاف الناس في كتاب زرادشت المقدّم ذكره هذا : نزّل عليه أو صنّفه قال الفقهاء : إن للمجوس شبهة كتاب : لأنه غير مقطوع بكونه كتابا منزّلا .
وأتى زرادشت كيستاسف الملك بمعجزات .
منها : أنه أتى بدائرة صحيحة بغير آلة ، وهو ممتنع عند أهل الهندسة .
ومنها : أنه مرّ على أعمى ، فأمرهم أن يأخذوا حشيشة سمّاها ويعصروها في عينيه ، فأبصر . قال الشّهرستانيّ : وليس ذلك من المعجزة في شيء ، إذ يحتمل أنه كان يعرف خاصّة الحشيشة .
وهم يقولون : إن اللَّه تعالى خلق في الأوّل خلقا روحانيّا ، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ اللَّه تعالى مشيئته في صورة من نور متلأليء على [ تركيب ] صورة الإنسان ، وخلق الشّمس والقمر والكواكب والأرض ( وبنو آدم حينئذ غير متحرّكين ) في ثلاثة آلاف سنة .
ثم المجوس يفضّلون الفرس على العرب وسائر الأمم ، ويفضّلون مالهم :
من مدن وأبنية على غيرها من الأبنية ؛ فيفضّلون إقليم بابل على غيره من الأقاليم ، ومدينته على سائر المدن ، من حيث إنّ أو شهنج أوّل طبقة الكيانية من ملوك الفرس هو الذي بناها ؛ ويقولون : إنه أوّل من جلس على السّرير ، ولبس التّاج ، ورفع الأعمال ، ورتّب الخراج ؛ وكان ملكه بعد الطَّوفان بمائتي سنة ، وقيل : بل كان قبل الطوفان .
ويفضّلون الكتابة الفهلوية وهي الفارسية الأولى على غيرها من الخطوط ، ويزعمون أن أوّل من وضعها طهمورث : وهو الذي ملك بعد أو شهنج المقدّم ذكره .
ويجحدون سياسة بني ساسان ، وهم الطَّبقة الثالثة من ملوك الفرس منسوبون إلى ساسان ، ويسخطون [ على ] الروم ، لغزوهم الفرس وتسلَّطهم
عليهم ببلاد بابل ، ويعبدون النّار ، ويرون أنّ الأفلاك فاعلة بنفسها ، ويستبيحون فروج المحارم من البنات والأمّهات ، ويرون جواز الجمع بين الأختين إلى غير ذلك من عقائدهم .
ويعظَّمون النّيروز : وهو أوّل يوم من سنتهم وعيدهم الأكبر . وأوّل من رتّبه جمشيد أخو طهمورث . ويعظَّمون أيضا المهرجان : وهو عيد مشهور من أعيادهم .
ويسخطون [ على ] بيوراسب ؛ وهو رابع ملوكهم : وهو الضحاك ، يقال له بالفارسية : الدهاش ، ومعناه عشر آفات . وكان ظلوما غشوما ، سار فيهم بالجور والعسف ، وبسط يده بالقتل ، وسنّ العشور والمكوس واتّخذ المغنّين والملاهي ، وكان على كتفه سلعتان مستورتان بثيابه يحرّكهما إذا شاء ، فكان يدّعي أنهما حيّتان ، تهويلا على ضعفاء العقول ، ويزعم أن ما يأخذه من الرّعية يطعمه لهما ليكفّهما عن الناس ، وأنهما لا يشبعان إلا بأدمغة بني آدم ؛ فكان يقتل في كلّ يوم عددا كثيرا من الخلق بهذه الحجة . ويقال : إن إبراهيم الخليل عليه السّلام كان في آخر أيامه .
وكان من شأنه أنه لما كثر جوره وظلمه على الناس ، ظهر بأصبهان رجل اسمه كابي ، ويقال : كابيان من سفلة الناس ، قيل حدّاد ، كان الضّحّاك قد قتل له ابنين فأخذ كابي المذكور درفسا ، وهو الحربة ، وعلَّق بأعلاها قطعة نطع كان يتّقي بها النّار ، ونادى في الناس بمحاربة الضّحّاك ، فأجابه خلق كثير ، واستفحل أمره ، وقصد الضّحاك بمن معه ، فهرب الضّحاك منه ، فسأله الناس أن يتملَّك عليهم فامتنع لكونه من غير بيت الملك ، وأشار بتولية إفريدون من عقب جمشيد المقدّم ذكره ، فولَّوه ، فتبع الضّحاك فقبض عليه وقتله ، وسار فيهم بسيرة العدل وردّ ما اغتصبه الضحّاك إلى أهله ، فصار لكابي المذكور عندهم المقام الأعلى ، وعظَّموا درفسه الذي علق به تلك القطعة من النّطع ، وكللوه بالجواهر ، ورصّعوه باليواقيت ، ولم يزل عند ملوكهم يستفتحون به في الحروب العظيمة حتّى كان
معهم أيام يزدجرد آخر ملوكهم عند محاربة المسلمين لهم في زمن عثمان ، فغلبهم المسلمون واقتلعوه منهم .
وهم يعظمون أفريدون ملكهم المقدّم ذكره ، لقيامه في هلاك الضّحاك وقتله . وفي أوّل ملك أفريدون هذا كان إبراهيم الخليل عليه السّلام . ويقال : إنه ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم .