في 2 ديسمبر 2017، أعلنت عالمة الآثار الإسرائيلية "إيلات مزار" أنها حققت اكتشافا تاريخيا حيث عثرت على بصمة ختم ملك الكتاب المقدس "حزقيا"، الذي حكم في القدس حوالي 700 قبل الميلاد. ما هي آثاره التاريخية والدينية؟
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف نقش يذكر ملكا للكتاب المقدس العبري من خلال حفرية اثرية عثر عليها في القدس. في العصور القديمة، الأختام كانت تستعمل للمصادقة على الوثائق المنبثقة من شخصيات هامة مثل الكهان، الحكام، الأمراء و الملوك. ويتم نقش هذه الأختام مع أنماط أو شروط لتحديد مالكها، ولإغلاق وثيقة. يكفي طباعة الختم على سطح مثل الطين الطازج لاقفال وثيقة او رسالة.
إذا كانت الوثيقة نفسها مكتوبة على لوحة من الطين، يمكن أن يكون ختمها في نهاية النص، مثل توقيع في الجزء السفلي من الرسالة. كانت أقراص الطين شائعة في بلاد ما بين النهرين وامتد استخدامها إلى مصر، سوريا وفلسطين. ثم كانت الأختام في الغالب أسطوانية الشكل، و بإدارة الختم لنقل فحواه على اللوحة او الرسالة. هذا الختم الذي عثر عليه هو من نوع آخر، هو ختم مستدير تم وضعه في خاتم على شكل طابع.
ختم الملك حزقيا يوجد فيه رسومات تعود لمصر: الصليب المسمى "ankh"، العنخ بالعربية و الذي يمثل الحياة في الهيروغليفية المصرية، و رسم ثاني للشمس في ذروتها بحواف وأشعة ذات أجنحة عريضة منتشرة كعلامة للحماية، هي ترمز الى واحدة من الالهة المصرية الرئيسية المعروفة باسم رع، التي ارتبطت لاحقا مع أتوم، اله الشمس الخالق. فماذا تفعل هذه الرسومات المصرية على ختم الملك حزقيا؟
هذا الاكتشاف يلقي الكثير من التساؤلات، وعلى العكس مما هو موجود في الكتاب المقدس، حزقيا كان تابعا لمصر أكثر من اليهود، على أساس الرسومات الموضوعة على ختمه الملكي، وأن دينه لا علاقة له باليهودية. و الختم يؤكد تأثير مصر على اليهود، ليس فقط سياسيا ولكن أيضا ثقافيا ودينيا، قبل فترة طويلة من ولادة اليهودية كما نعرفها حاليا. ومن الواضح أن مصر أثرت إلى حد كبير على محرري الكتاب المقدس. و قصة موسى هي أشهر مثال على ذلك، حيث يمكن العثور على العديد من النصوص المصرية المتشابهة مع حياة موسى من حكم و تعاليم...
يحتوي هذا الختم على ثلاث سجلات: السجلات العليا والسفلى تحتوي على حروف عبرية، في حين أن السجل المركزي في الوسط يحتوي على رسمين. الحروف ليست بالعبرية الحديثة، بل هي حروف تم تعريفها كحروف قديمة للعبرية ويعود أصلها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد عندما قام الساميون باستعمال الهيروغليفية المصرية لإنشاء الأبجدية الأولى، التي تطورت ببطء ليعتمدها الفينيقيون، والآراميون والعبرانيون و بعدها الأبجدية اليونانية، ثم اللاتينية، وأيضا الأبجدية العربية. الحروف تعني: "لحزقيا ابن أهاز ملك يهوذا". لأول مرة، ملك في الكتاب المقدس يظهر على نقش اكتشف في حفرية أثرية. وفقا للكتاب المقدس، حكم حزقيا من 716 إلى 687 قبل الميلاد، وكان حكمه طويلا ومزدهرا، حزقيا وسع عاصمة مملكته القدس، لاستقبال العديد من الإسرائيليين الذين جاءوا إلى الاستقرار في يهوذا بعد تدمير مملكتهم من قبل الجيوش الاشورية حول 722. حزقيا نفسه قاوم القوات الآشورية التي حاصرت القدس حوالي 701 قبل الميلاد. الكتاب المقدس يقدم انتصارته كعلامة رضى الاهي و مساعدة الاهية له، وإخلاص حزقيا لإله إسرائيل "يهوه"، و قام ايضا بإصلاح ديني الهدف منه وضع حد للممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في يهوذا. لكن الختم الذي عثر عليه يتناقض مع هذه الصورة المثالية المذكورة في الكتاب المقدس.
و كما سنلاحظ ان فترة ملك يهوذا تصادف العصر المتأخر في تاريخ مصر القديمة التي تتراوح من 750 إلى 332 قبل الميلاد، حيث تمت إعادة توحيد البلاد من قبل ملك من أصل كوشي، اسمه "بعنخي" و انتهت مع غزو مصر من قبل الإسكندر الأكبر.