أمي.. يا نجمتي المضيئة
2
عطاء بلا حدود، نبع الحنان، الحب الحقيقي، الأمن والأمان، البلسم الشافي، شمس الحياة، دفء العطاء، هي الرحمة وصفوة الحب، هي القوة في الضعف والرجاء في اليأس، حضنها الدافئ أنعم وسادة.. تلك هي الأم.
ذات المآثر التي لا تعد ولا تحصى، بل لا وصف يفيها حقها، إذ تعجز عن ذلك أبلغ العبارات، فينحني القلم إجلالاً لها، وترتبك الكلمات أمام عظمتها.. ويتوقف الزمن مندهشاً من صبرها وحنانها وروعة إحساسها، هي التي سهرت الليالي؛ لترعانا.. وإذا ضاقت الدنيا بنا كان صدرها أوسع من الكون.. إن أقدس المعاني وأرقها وأرقاها تتجسد في أعذب الألفاظ:
«أمي».. تغنى في وصفها الشعراء، والعظماء، والمشاهير، وجادت قرائحهم بأبلغ الكلمات فيها، ومن تلك الأقوال المعبرة:
«لم أطمئن قط إلا وأنا في حجر أمي»
سقراط
«إن أرق الألحان وأعذب الأنغام لا يعزفها إلا قلب الأم»
بيتهوفن
«لن أسميك امرأة بل سأسميك كل شيء»
محمود درويش
«قلب الأم كعود المسك كلما احترق زاد شذاه»
حكمة هندية
«إن الأم التي تهز سرير طفلها بيمينها تهز العالم بيسارها»
نابليون بونابرت
«الأم تظلم نفسها لتنصف أولادها»
شوبير
«أعظم كتاب قرأته أمي»
أبراهام لينكولن
«الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق»
حافظ إبراهيم
ولكن مهما استدعينا الحروف ونادينا الكلمات، نقف عاجزين أمام وصف روعة الأم، أما القصة التالية، فهي من أجمل ما قرأت عن الأم، قصة قصيرة لكنها رائعة وهادفة جداً، تختصر في طياتها الكثير من المعاني. تقول القصة:
بعد 21 سنة من زواجي، وجدت بريقاً جديداً من الحب، وبدأت أخرج مع امرأة غير زوجتي، وكانت فكرتها حيث بادرتني بقولها: «أعلم جيداً كم تحبها»، والمرأة التي أرادت زوجتي أن أخرج وأقضي وقتاً معها كانت «أمي»، التي ترملت منذ 19 سنة، ولكن مشاغل العمل وحياتي اليومية مع 3 أطفال جعلتني لا أزورها إلا نادراً.
في يوم اتصلت بها ودعوتها إلى العشاء سألتني: «هل أنت بخير؟»
لأنها غير معتادة على مكالمات متأخرة نوعاً ما وهي تقلق، فقلت لها: «نعم أنا ممتاز ولكني أريد أن أقضي وقتاً معك يا أمي»، قالت: «نحن فقط؟!»
فكرت قليلاً، ثم قالت: «أحب ذلك كثيراً».
في يوم الخميس وبعد العمل، مررت عليها وأخذتها، كنت مضطرباً قليلاً، وعندما وصلت وجدتها هي أيضاً قلقة، كانت تنتظر عند الباب، وهي ترتدي ملابس جميلة ويبدو أنه آخر فستان قد اشتراه لها أبي قبل وفاته.
ابتسمت أمي كملاك وقالت:
«قلت للجميع إنني سأخرج اليوم مع ابني، والجميع فرح، ولا يستطيعون انتظار الأخبار التي سأقصها عليهم بعد عودتي».
ذهبنا إلى مطعم عادي ولكنه جميل وهادئ، تمسكت أمي بذراعي وكأنها السيدة الأولى، وبعد أن جلسنا بدأت أقرأ قائمة الطعام، حيث إنها لا تستطيع قراءة إلا الأحرف الكبيرة.
وبينما كنت أقرأ كانت تنظر إليّ بابتسامة عريضة على شفتيها المجعدتين، وقاطعتني قائلة: «كنت أنا من أقرأ لك وأنت صغير».
أجبتها: «حان الآن موعد تسديد شيء من ديني بهذا الشيء.. ارتاحي أنت يا أماه».
تحدثنا كثيراً أثناء العشاء لم يكن هناك أي شيء غير عادي، ولكنْ قصص قديمة وقصص جديدة لدرجة أننا نسينا الوقت إلى ما بعد منتصف الليل، وعندما رجعنا ووصلنا إلى باب بيتها قالت:
«أوافق أن نخرج سوياً مرة أخرى، ولكن على حسابي». فقبلت يدها وودعتها، وبعد أيام قليلة توفيت أمي بنوبة قلبية. حدث ذلك بسرعة كبيرة لم أستطع عمل أي شيء لها.
وبعد عدة أيام وصلني عبر البريد ورقة من المطعم الذي تناولنا العشاء فيه، مع ملاحظة مكتوبة بخطها:
«دفعت الفاتورة مقدماً كنت أعلم أنني لن أكون موجودة، المهم دفعت العشاء لشخصين لك ولزوجتك؛ لأنك لن تقدر ما معنى تلك الليلة بالنسبة لي...
أحبك يا ولدي»
في هذه اللحظة فهمت وقدرت معنى كلمة «حب» أو «أحبك»، وما معنى أن نجعل الطرف الآخر يشعر بحبنا ومحبتنا».
انتهت القصة ولم تنته مآثر الأم، ومن يستحق الإكرام أكثر من الأم، ومن هو جدير بالاحترام والتقدير أكثر من الأم، لنمنح أمنا الوقت الذي تستحقه، لنحترمها، لنرحمها، لنطعْها، لنقدرها، لنرْعَهَا، لنرد لها ولو جزءاً يسيراً من جميلها، ليس فقط في عيد الأم الذي يصادف أول أيام الربيع، بل في جميع أيام السنة.