بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
العبادة ليست بإقامة الشعائر فحسب بل بسلوكنا
"الدين المعاملة".. إيمانٌ يتجسّد بمحاسِن الأخلاق
"الدين المعاملة" مقولة وإن لم تثبت لفظاً بأنها حديث ، إلا أنها صحيحة المعنى، فكثيرٌ أولئك الذين يؤدون شعائر الإسلام وفرائضه في أوقاتها ولا يتكاسلون عنها، ولكن لو نظر أحدنا إلى سلوكهم وتعاملهم مع الناس لوجد ما يتناقض مع تلك "السبحة" التي لا تفارق أناملهم..
ما بال هؤلاء أيظنّون أن "الدين" مظهر لا جوهر، وما هو إلا فريضة تُؤدّى؟!..
"الدين المعاملة"، وواقعيتها، وحال الناس منها:
الدين الخُلق
والإسلام يعتبر الإيمان الحقيقي مجسداً في حسن الأخلاق فالإيمان تجسد في أخلاق وفي فضائل وفي قيم.
- يلجأ البعض للغِلظة والشدة في التعامل مع الناس رغم التزامهم الشديد بالعبادات والفرائض، وتأديتهم لها على أكمل وجه، ولكن سلوكهم وتعاملهم مع الناس يبتعد كل البعد عن ذلك.. برأيك ما سبب ذلك؟ وما رأي الشرع في مخالفة سلوك المسلم لما يدعونا الإسلام إليه من اللين واللطف في التعامل؟
العبادة ليست القيام بالشعائر فحسب بل هذا مفهوم قاصر لمعنى العبادة فإن العبادة بمعناها الشامل هي اسم لكل ما يرضاه الله من الأقوال والأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهي بهذا المفهوم على قسمين الأول شعائر تعبدية من صلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها، الثاني يشمل كل عمل أو نشاط يمارسه الإنسان اقتصاديا أو اجتماعيا أو علميا أو سياسيا وغيره ويطلق على هذا القسم الثاني "العبادات التعاملية"، ومقصود العبادة في المعنى الأول - الشعائر التعبدية - هو تهذيب النفس بالتوجه إلى الله والخضوع له والانقياد لأحكامه، وهي تخدم القسم الثاني فالذي تتهذب نفسه تسمو فلا يفعل إلا ما هو خير ولا تصدر منه إلا التصرفات الحسنة.
وإلا ما قيمة أن يصلي الصلوات في المسجد ثم يخرج يسب هذا ويلعن هذا ويغصب مال هذا فمثله كمثل من يغتسل في الماء الطاهر وبعد أن ينقى في كل مرة يمرغ جسده بالتراب فما قيمة الغسل إذن.
-هل يمكن اعتبار أن هذا الشخص لديه فهم خاطئ حول دينه؟
أنا أعتبر أن من فهم ذلك فقد أساء الفهم وعنده خلل في فهم حقيقة الإسلام وكذلك عنده قصور في فهم حقيقة الإسلام ومثل هذا الصنف من الناس يسيء إلى الإسلام من حيث لا يدري ولا يعلم، بل لربما لم تصح عباداته الشعائرية طالما أنها لم تتهذب نفسه ولم يتخلق بالحسن مع الناس عندما يعاملهم، فإن المسلم الحقيقي هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، وليس المسلم مَنْ يأتي؛ بصلاة, وصيام, وزكاة، وقد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا بل من كان هذا حاله فهو المفلس يوم القيامة؛ لم تنفعه عبادته الشعائرية.
-ما تأثير هذا السلوك على صورة الإسلام خاصة وأن هناك انفتاحا على العالم، بحيث إن المسلمين يسافرون إلى بلاد الغرب والعكس؟
أما من كان هذا حاله فأثره قطعا سيكون سلبيا، وسيعطي الصورة غير الحقيقية عن الإسلام بل يؤكد ما يدعيه أعداء الإسلام أن الإسلام دين عنف وإرهاب، فهؤلاء لو كانوا يعيشون في بلاد الغرب وهم على هذا الفهم وعلى هذه الأخلاق هم أكبر عقبة في سبيل نشر الإسلام، ولن ينتشر الإسلام إلا بالأخلاق الحميدة..
لا تقل ما لا تفعل
-في الدول الأوروبية يلتزم كثيرون بأخلاق الإسلام في سلوكهم اليومي وهم غير مسلمين، فتجد أحدهم يأخذ بيد عجوز ويقطع له الطريق، وآخر يقوم عن كرسيّه في "الباص" ليدع امرأة تحمل طفلها تجلس عليه.. ما قولك في ذلك؟
سئل أحد العلماء حينما عاد من رحلته لأوروبا سألوه ماذا رأيت في الغرب فرد عليهم قائلا ( رأيت مسلمين بدون إسلام ورأيت هنا إسلاما بدون مسلمين) فالمسلم ليس بالاسم فقط بل يجب أن يترجم الإسلام في حياته كلها قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا، وقد ذم القرآن من يقول ما لا يفعل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" فالمسلم الحقيقي هو الذي تتحدث أفعاله عن الإسلام فيعطي الوجه المشرق عن الإسلام وأهله، فدين الإنسان يظهر حقيقة في التعامل المادي لا بالصلاة أو الصوم فحسب، فإن الإسلام قد انتشر في كثير من بلاد الغرب بأخلاق المسلمين.
-كلمة تهمس بها في آذان هؤلاء الناس؟
لا بد من الفهم الحقيقي والصحيح لمعنى العبادة والعبادة بمفهومها الشامل للعبادات الشعائرية والعبادات التعاملية، والمسلم يجب أن يكون قدوة بسلوكه وتعاملاته ويكتسب ذلك من خلال عباداته الشعائرية فهي الخادمة والمزودة للجانب التعاملي، لا أن تؤدى هذه الشعائر تأدية جوفاء دون أن يكون لها أثر على السلوك والمعاملة مع الآخرين.