موت مائي
شرخ طويل في حائط الغرفة الطينية غير نافذ إلا من ثقب يتلألأ قريبا ً من سطح الغرفة ، عند هبوب الريح
يحدث هذا الشرخ سيمفونية خافتة تشبه عزف الرعاة على آلة الناي ، أحاسيسي تشير أن هذه السيمفونية العفوية
تحكي سيرة حياتي فاسترخيت ،مرّتْ أيام وليال وأنا مسترخ ، تجاوزت ْحالة الاسترخاء الحد المسموح به
لديمومة الحياة بالاستغناء عن الأكل والشرب ، عناكب تتراقص متدلية قريبة من السقف على صوت السيمفونية
وازدادت ْ رقعة نسيجها حتى غلفت ْ وجهي ووسادتي ، حتى ساعة متأخرة من حياتي كان الشعور السائد لدّي
انني ما زلت حيا ً أرزق ، في الحقيقة اني فوجئت ُ عندما أخبرني أحد أولادي بأني ميّتْ ،
عندما استفسرت ُ من ولدي العاق هذا كيف عرفت اني ميّتْ أجاب منشرحا ً: عيناك مفتوحتان ، جسمك بارد كالثلج ،
شفتاك متخشبتان وأسراب من النمل تخرج وتدخل في مثاقب أنفك وأذنيك
وأردف بالرغم من انني لم أرَ ميّتا ً من قبل لكني سعيد للغاية عندما اكتشفت انك ميّتْ دون أن أستعين بأحد ،
ذهبت ْ أحدى بناتي إلى الجيران وسألتهم :
هل ما زال الناس يصرخون على الميت في زمن السيتلايت وفيفي عبده والموبايل والانترنيت ؟
فأجابوها – نعم من باب المستحبات وليس الواجب ، فقدّتْ قميصها من قبل ٍ وطبّلتْ على صدرها لأول مرة ،
بعد استراحة قصيرة لتناول الشاي والمرطبات ذهبتْ إلى الجيران وسألتهم ثانية :
هل مازال الناس في زمن الاحتلال وأفلام الرعب واليورانيوم المنضب يدفنون موتاهم تحت التراب ؟
فأجابوها نعم من باب المستحبات وليس الواجب وحتى لا يثير القرف وتخرج نتانته جرّاء ما حصد من دنياه
ويفترسه الدود / هذه الكائنات التي تنتظر الجثث بفارغ الصبر ، بعد مشاورات سرية مكثفة اقترح نجلي البار
ومن باب التغيير والتمرد على الروتين أن أُدفن تحت الماء وأن أكون طعما ً للسمك وليس للدود فكلاهما كائنات مبتلية بالجوع
وتمّتْ الموافقة على ذلك بالإجماع ، ومن باب الفضول جاء أحد أولادي الذي يعزّني كثيرا ً
وتناول مبضعا ً وعمل شقا ً تحت الثدي الأيسر بأربعة أصابع وعلى مرأى من أمه التي قضت ْ ساعتين من العدّة ،
أخرج القلب ، رفعه إلى الأعلى ، تدافع أخوته معه ،كل يريد أن يحمله وهم يصرخون ما أحلى قلب أبي !!
أهذا هو قلب أبي ؟
فتقطع بين أيديهم اربا ً اربا ً وكل ما ظل بحوزتي هو اني دفنت ُ بلا قلب .. تحت الماء ..
القاص سعدون البيضاني