الغيرة.. لعنة الأنثى
قشرة البرتقال تبشر بجيل جديد من بخاخات الربو
قتلى وجرحى بهجوم على حاجز أمني بسيناء
مقتل ضباط استخبارات سوريين بسيارة مفخخة
بدء تداول الأسماء المرشحة لخلافة نتنياهو
تسريبات سفارة إسرائيل بلندن تكشف "العمليات السوداء"
الغيرة هي اللعنة السرمدية التي قُذفت في قلب الأنثى، حبلُ سحرٍ هاروتيّ أُحكمت عُقَدُه مِن الأزل، ما إن ينفثَ فيها نافثٌ حتى تشتعلَ النّارُ أبدًا، ولا يكادُ يحلُّ عقدها راقٍ ولا يُنجي منها حِرز.
كثيرًا ما تجذبُني تلك الأبياتُ التي تصفُ عملَ الغيرة في الإنسان الهشِّ، وكلّما وقعتُ على صورة ظننتُ أنّ صاحبها قتلَ الحالة وصفًا، ثمّ يأتي وصفٌ يجُبُّ ما قبله، وأكثر مَن تحدّث عن الغيرة كان من الشعراء الرّجال، حالَ الشعر الذي احتكره الرّجال إلّا قليله، لكنّهم أجمعين في حديثهم عن الغيرة يتقمّصون حالة نِسويّة محضة؛ فالغيرةٌ عند الأنثى لها دوافعُ فطريّةٌ؛ إذ علمت أنَّ الرجالَ مجبولو القلوبِ على التّعدد عمليًا ونفسياً، وظهر ذا في تشريعٍ أباحه الله لهم، بينما هي إذا أحبّت كانت خالصة للمحبوب خلوصاً أبدياً ما ذرَّ شارق وما اشتاقَ الوصال عاشق، فما حديث الرجال إذن عن الغيرة إلا ضربٌ من ترفِ عيشِ الحالة الأصلية، والغيرة قوام الحب لا يستقيم دونها:
إنَي أَغَارُ عَلَى الْعُيونِ وَلَا هَوًى
إِلَّا إِذَا كَانَ المُحِبُّ غَيُورًا
وَلَوِ اِسْتَطْعَتُ خَبَأتُهنّ بِنَاظِرِي
وَجَعَلْتُ أَهدَابَ الْعيونِ سُتُورا
ولا تقتصر الغيرة على كونها من الأشخاص بل تتجاوزها إلى فضاءٍ أرحب، إلى أيِّ شيءٍ قد يمسُّ المحبوب حسّا ومعنى؛ يقول داود الأنطاكي:
نَظْرَتُ إِلَيها وَالسّواكُ قَدِ اِرْتَوَى
بِرِيقٍ عَليهِ الطَّرْفُ مِنِّي بَاكي
تُردِّدهُ مِن فَوقِ دُرٍّ مُنَضَّدٍ
سَنَاهُ لِأَنْوَارِ البروقِ يُحَاكِي
فَقُلتُ وَقَلبي قَد تَفَطّر غيرةً
يا ليتني قد كنتُ عُودَ أَرَاكِ!
"
أغارُ من نَسْمَةِ الجَنوبِ على مُحيَّاكَ يا حبيبي وأحْسِدُ الشمسَ في ضُحاها وأحْسِدُ الشَمسَ في الغروبِ يا لَيْتَني مَنْظَرٌ بديع تُطيلُ لي نَظْرَةَ الرَقيبِ وليتَني طائرٌ شَهيٌ أشْدو بأنغامِ عَنْدَليبِ أظَلُ أَسْقيكَ مِنْ غِنائي سُلافَةَ الروحِ والقلوبِ
"
فالغيرة تعبيرٌ عن رهافةِ حِسٍّ تخدشه أرقُّ الشكوك والأوهام؛ فهناك غيرة من السواكِ عملِه، وهاهنا غيرة من النسيم، وخشية من خيالٍ ما يزور المحبوب ليلًا:
إنّي أَغَارُ مِنَ النّسيمِ إِذَا سَرَى
بِأَرِيجِ عَرفِكَ خَشْيَةً مِن نَاشقِ
وَوِدتُ لَوْ سَهِرَتْ جُفُونِيَ دائمًا
حَذَرًا علَيك مِنَ الْخَيَالِ الطَّارِقِ
ولا عجب إذن أن تكون العيرة على اسم المحبوب، الترتيل المقدّس:
وَأُنزّهُ اِسمكَ أَن تَمُرَّ حُرُوفُه
مِن غَيرتِي بِمَسَامِعِ الْجُلَّاسِ
فأقولُ: بعضُ الناس، عنك كِنَايَةً
حذرَ الْوُشَاةِ وَأَنْتَ كلُّ الناسِ
فعلى هذا تكون الغيرة قسمين؛ الأول غيرة منطقية وهي الغيرة على الأشخاص من الأشخاص والثانية غيرة مجنونة وهي الغير على الأشخاص من أي شيء، وأعتقد أنَّنا ورثنا الشِّقَّ الثاني من الغيرة عن أمِّنا حواء يومَ أن نزلت إلى الأرض ولم يكن فيها من بشر سواهما فممَّ تغار! ولا نساء في عصرها يؤرّقنَها ويلهبـْنَ أضلاعها؟
إلّا أنَّ أمَّنا سابقتنا باستئثار البداية لنفسها - البحث عن البدايات مضنٍ!، كم كانت محظوظة حواء إذ تفرّدت وحدها بلذة البدايات، ثم سكن صوتها في كلّ قولٍ وشعورٍ كان بعدها، حتمًا كانت تغارُ عليه منه.. منها، كما ولّادة: