بقلم / زهراء القاسم
- (هل أنتِ بخير ؟ )
هذا هو السؤال الذي تعلمه طفلي مؤخرا والذي أصبح يسألني إياه تقريبا كل يوم ،
ولكن الصغير حينما كان يسألني ، كان يقصد من سؤاله إن كنت حزينة أم لا ، أو إن كنت أشكو من شيء ،
فهو لا يسألني هذا السؤال الا في حالة أن يجدني هادئة جدا أو عندما يرى تعابير حزينة على وجهي ،
وعقله لم يكن يعرف سوى إجابة واحدة فقط (نعم ، أنا بخير )
هذه الاجابة كانت تجعله يبتسم وكان دائما يضيف بعدها ، ( أنا بخير أيضا ) ، لانه لم يكن يعرف ما معنى الاجابة الاخرى ، ( أنا لست بخير ) ...
قبل عدة أيام عدت من عملي متعبة جدا ، وكنت أعاني من صداع شديد ، أستقبلي راكضا وكان بيده كوب من العصير ، وخلال لحظات قام بسكب العصير على بعض الأوراق المهمة ، وقتها لم اعرف كيف أعالج الضرر الحاصل ويبدو أن تقاسيم وجهي كانت حزينة جدا ، أقترب مني وسألني سؤاله المعتاد (هل أنتِ بخير ؟) فنظرت اليه بغضب وقلت له بصوت مرتفع ( لا ، لا ، لست بخير ) ...
نظر في عيني بضع لحظات نظرة غريبة ثم ذهب ليلعب بألعابه بهدوء ، في تلك الليلة أرتفعت درجة حرارته ،
ومطلع الفجر كان يهذي ، كانت الحرارة مرتفعة جدا والطبيب المختص قال انها حمى شديدة وتحتاج بضعة أيام كي تزول ، طوال عدة أيام لم يتذوق الصغير شيئا عدا بعض السوائل ، خسر بعض وزنه ، وتوقف عن الكلام وتوقف أيضا عن سؤالي فيما إذا كنت بخير ...
خلال هذه الايام فهمت فعلا ما معنى ان لا يكون الانسان بخير ، كنت أبكي طوال الليل وأنا أسمعه يهذي ،
في الليلة الرابعة لمرضة سمعت صوت السماء تصرخ ممهدة لزيارة المطر ،
حملت الصغير وخرجت للحديقة وجلست هناك تحتها ...
لأول مرة لم أكن أخاف من الرعد ، نظرت إليها وقلت وأنا أبكي ( رغم اني حمقاء جدا ورغم ان إن إبني محموم ، ورغم اني الان أستطيع عد أضلاعه ، إلا إني لن أقوم من هنا الا بعد أن يكون كلانا بخير ولن أقبل بأي خيار آخر ، على الاقل ليكن هو بخير )
وكانت السماء تمطر ، كان مطرا خفيفا ، كان لغة خاصة ، وكانت قطرات المطر تسير على خدي مع الدموع بايدي متشابكة ، بعدها لم أذكر ما الذي حصل ،
أستيقظت فجرا على صوت العصافير فوق رأسي وبعد لحظات أدركت أن صغيري ليس في حضني ،
ركضت كالمجنونة للداخل ، خيل لي ان السماء أخذته إليها كي يكون بخير ، توقف قلبي للحظات ،
وهناك كان هو ، يجلس على الاريكة وفي يده ملعقة وبجانبه علبة النوتيلا ، فمه وملابسه كانت مغطاة بالشوكلاتة ، أقتربت منه ثم لمسته ، كان بخير ولم يكن محموما ، حملته وكان خائفا من أن أوبخه فقال ( ماما شبعت ) ،
بكيت بصمت كي لا ينتبه ، وأدركت إننا كلنا مخطئون حينما نظن إننا لسنا بخير ، نحن موجودون ، هم موجودون ، هنا يكمن الخير
وحين نصمم على أن نكون بخير .... سنكون.