المُوفِي فِي النَّحوِ الكُوفِي
السّيّد صدر الدين الكنغراوي الاستانبولي
المُتوفّى سنة 1349هـ/1931م
عضو مجلس المعارف في الأستانة ومدرّس حكمة التشريع في جامعتها
شرحَهُ بتعليقات تُوضِحُ غوامضه ومقاصدَهُ
وهذا نص الرسالة:
ص9: يُشير إلى رقم الصفحة في الأصل (المنشور ورقياً)، وبدايتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
ص9 نحمدك يا اللهم على هدايتك إلى الصواب، والصلاة والسلام على أنبيائك ورسُلك ولا سيَّما محمد سيّد الأحباب، وعلى آله التابعين له وجميع الأصحاب.
(أما بعدُ) فهذا كتاب (نحو) وضعته على مذهب الأئمة الكوفيين ومصطلحاتهم؛ إذ وجدتُها أُهملت، وهي تحتاج إلى النظر والتبصّر من أهل التأويل، والفقهاء والعلماء. ويُبنى عليها وجوهٌ من القراءات والروايات المتحمّلة عن الفصحاء والبلغاء. فجمعتها في غضون كتابٍ من كُتُبٍ كثيرة اطَّلَعتُ عليها، ورتَّبتُها على ترتيب كُتُبِ المتأخرين وسمَّيتُه (المُوفي في النَّحو الكُوفيّ)؛ والله المسؤول أن يَنفَعَ بهِ، ويجعَلَهُ خالِصاً لوجههِ، وهو المُستعان وعليه التّكلان.
النَّـحو
(ص10) النَّحو: عِلمٌ بأصول يُعرَفُ بها أحوالُ أواخر الكَلِم في التركيب.
و التركيب: إما نسبة إسنادية، فجملة؛ أو غير إسنادية، فتقييديّ؛ أو بلا نسبة، فمزجيّ؛
و الجملة: إمّا أن تتركّب من اسمينِ كـ (زيدٌ قائمٌ)، أو من فعل واسم كـ (قامَ زيدٌ) أو من اسم وحرف مُلاحَظاً فيه معنى الفعل كـ (يا زيدُ).
و الاسم: مُعرَبٌ، وقد يُبنى لشبه الحرف، وإعرابه رفعٌ وفتحٌ وجرٌّ: فالمثنّى بالألف والياء، كـ (جاءَ الزيدانِ)، و(ضَرَبتُ كليهما)؛ فـ (كلا) و (كلتا) مثنّيان.
وجمع المذكّر السالم بالواو رفعاً، والياء نصباً وجرّاً؛ نجو: (جاءني الأحمدون) و (ضربتُ الطالحينَ)، وحُمِلَ عليه (عشرونَ) وبابه، و (أَرَضونَ) و (السّونَ) وبابه.
وقد يُعرَب جمع المذكر (ص11) السالم بالحركات، نحو: (مَضَتِ السِّنين)، وهو قياس عند الفرّاء، ومَن تَبِعَه، ومنه قوله:
رُبَّ حيٍّ عَرَنْدَس ذي طلاللا يزالونَ ضاربينَ القِبابِ
وقوله:
وقد جاوزت حدّ الأربعينِ
ونون جمع المذكر السالم مفتوحٌ، ونون المثنّى مكسورٌ، وبعضهم فتَح، قاله الشّيخان، نحو:
على أَحْوَذِيَيْنَ استقلّت عشيةًفما هي إلا لمحـةً وتغيـب
وجمع المؤنّث السالم بالضمّ والجرّ، وجوَّزوا نصبَهُ بالفتحة، إلا هشاماً (ص12) فلا يجوزُ إلا فيما حُذِفَتْ (لامُهُ)، كقولهم: (سَمِعتُ لغاتَهم).
وإذا كان جمع النّسوة السّالم عَلَماً يجوز فيه ثلاثة أوجه: إعرابهُ كسائر جمعِ المؤنّث، وإعرابُهُ كإعرابِ غيرِ المجرى، وإذا وُقِفَ عليهِ فَبـِ (الهاء)، نحو: (جاءَتْ مِن أذرعاة)؛ وإعرابهُ كسائرِ جمع المؤنث بلا تنوين، كقولك:
تنوَّرتُها من أذرعاتِ وأهلهابِيَثربَ أدنى دارها نَظَرٌ عالي
وأما المفرد والجمع المكسَّر فبُعرَب بالحركات الثلاث إلا إذا كان غير مجرى، فيُفتَح في الكسر،إلا (ذو) و (فم) و (أب) و (أخ) و (حَم)، فبالحرف إذا أُضيفَ إلى (ص13) غير الياء (.........).
ويجوز قصر غير الأولين وإعرابها بالحركات، ومثلها (هَنٌ) خلافاً للفرّاء في إعرابها لأنه ناقص.
غير المجرى ما فيه علّتانِ من العلل المذكورة، وهي ألف التأنيث (ص14) قائمة مقام علّتينِ.
والجمع قائم مقام علّتينِ، شرطه أن يكونَ على وزن فواعل أو مفاعيل، وله في الأصل كـ (حضاجِر)، أو في التقدير كـ (سَراويل).
(ص15) (المزيدتان): تشترط العلَمية في الاسم، وانتفاء (فعلانة) في الصّفة. وقيل: وجود (فَعْلَى)، ولم يشترط الفرّاء الزيادة، ومَنَعَ سنان.
و (الوصفُ) الأصليّ لا يُعتَبَر مع العَلَمية نحو: (أحمر).
و (وزن الفعل) شرطهُ (ص16) أن يخصّه، أو في أوّله زيادة الفعل غير قابل للتاء، نحو: (أحمد).
و (العدل): ومنه وزن (مَثنًى) و (ثلاث).
و (العُجمة): شرطُها أن تكون عَلَمَاً في الأصل زائداً على ثلاثة أحرف أو متحرّك الوسط.
و (التأنيث): لفظيّ و معنويّ بشرط العلَمية. وشرطُ تحتّم تأثيرهُ في المعنوي، العُجمة، أو زيادته على ثلاثة أحرف خلافاً لابن الأنباريّ، أو تحرّك الوسط أو أن يكون اسم بلدة عند الفرّاء،ن أو أن يكون مؤنثاً في الأصل (ص17) سُمِّيَ به مذكّر عندهُ، وثعلب.
و (المعرفة) بشرط العَلأَمية، والتركيب بلا نسبة، بشرط العلَمية، أو إذا نكرة ما فيه عَلَمية مؤثرة أُجرِيَ له إذا سُمِّيَ بالوصف الأصلي المسمّى به فالمعتمَد أنَّه يجري أيضاً إلا إذا كان اعتبار الوصفية من وجهٍ، كـ (أحمر)، إذا سُمِّيَ به رجل أحمر. قاله الفرّاء وابن الأنباري.
ويُقاسُ عليه (سكران) إذا سُمّيَ به رجلٌ مُدمِنٌ، وقد يُجرى غير المُجرى للضرورة، أو للتناسب، إلا اسم التفضيل الذي بعدَهُ (مِنْ) والمجرى (ص18) قد لا يُجرى اضطراراً واختياراً هو اختيار ثعلب. والمنقوص نحو (جَوارٍ) ليس تنوينهُ للإجراء، وقد يُجرى المنقوص مجرى الصحيح نحو: (قاضٍ) إذا سُمِّيَ به مؤنث
المرفوعات
[ص18](الفاعل): ما أُسنِدَ إليه الفعلُ أو شِبهُهُ؛ نحو: (كانَ زيدٌ عالماً، وقائمٌ زيدٌ). وحقُّهُ أن يَلِيَ الفعل وقد يتقدَّم عليه إلا إذا كان نكرةً إلا إذا أفادَ، نحو:
ما للجِمالِ مشيُها وئيداًأَجَندَلاً يَحمِلْنَ أم حديداً
ويكونُ جملَةً نحو: (بَدا لي، يقومُ زيدٌ). ولا يُحذَفُ إلا من المصدر، إلا عند الكسائيّ؛ نحو:
[ص19]
فإنْ كانَ لا يُرضيكَ حتّى تردُّنيإلى قَطَرِيَّ لا إخالُلـكَ راضيـا
ولو عدِمَتْ قرينةٌ، أو اتَّصَلَ أو كان المفعول محصوراً بـ (إنَّما) لا بـ (إلا) وجَبَ تقديمُ الفاعل، ولو اتَّصَلَ مفعوله وهو منفصل، وجَبَ تقديمُ المفعول، وكذلكَ إذا اتَّصَلَ مكنيُّ المفعول إلى الفاعل، نحو: (ضرَبَ عَمْراً غُلامُهُ)، وقالَ الطُّوال كقوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبرٍوحُسنِ فعلٍ كما يُجزى سنمّارُ
[ص20] ويجب كذلك إذا كا الفاعلُ محصوراً بـ (إنما) بخلاف (إلا)؛ هذا عند الكسائيّ، وذهبَ الفرّاء، وابن الأنباريّ إلى وجوب تقديم المفعول إذا كان الفاعل محصوراً بـ (إلا).
والعامل في الفاعل هو الفعل المُسنَد أو شبهه، وقد يُحذَف فعلُه لقرينة، وهو كثير بعد (لو) و (لولا) وقد يُحذفانِ معاً.
نائب الفاعل
ما أُسنِدَ إليهِ المجهول أو شبهُه، ويجوز إنابة المفعول به.
والمصدر غير العلة، والمحل المنصرف اتفّاقاً، والحال الضروريّ إذا كان جُملَةً عند الشَّيخينِ، لا مفرداً خلافاً للفرّاء، ولا التمييز خلافاً [ص21] للكسائيّ، نحو: (ضَرَبَ عَمْرٌو)، و (صِيمَ رمضانَ)، و (كِينَ يُقامُ)، و (كينَ) وطِيبَتْ نَفسٌ).
ولا يتعيَّن المفعول به إذا وُجِدَ، فيجوزُ إنابة غيره، نحو: (ليُجزى قوماً بما كانوا يكسبون). ولا ينوبُ الثاني من باب (عَلِمتُ)، ولا ثانياً: (أعلمت) [ص22] مطلقاً، ولا ثانيَ (أَعطَيت) إذا كانت نكرة، والأول معرفة.
فصل في التنازع
إذا تنازَعَ العاملان، في فاعلٍ بعدهما، نحو: (جاءَ وقَعَدَ الزّيدانِ)، قال الكسائي: هو فاعل الثاني، وفاعل الأول محذوف. وقال الفرّاء هو فاعلهما، وقال الجمهور: هو فاعل الأول، وفاعل الثاني تكتُبُهُ وجوباً، وقد عُزِيَ إلى الفرّاء أيضاً؛ فتقول: جاءَ وقَعَدَا الزّيدانِ، وإذا تنازَعا في مفعول، فكذلك. إلا أنّ غيرهما جوَّزوا إعمال الثاني بحذف [ص24] مفعول الأول؛ نحو: (ضَرَبتُ وأَكرَمتُ زيداً)، أو بكنايته مؤخراً نحو: (ضربتُ وأكرمتُ زيداً إياه)، وبذِكرهِ إذا كانَ ضرورياً نحو: (علمتني قائماً)، و (علِمتُ زيداً قائماً).
ويجوز حذفُهُ أيضاً، تقولُ: عَلِمتُك وعلمتني قائماً، وقِسْ عليه إذا تنازَعا في شيء يطلبُهُ أحدهما فاعلاً، والثاني مفعولاً، إلا أنّهُ لا سبيلَ إلى إهمالها هنا. فيجب إعمال الأول عند الفرّاء. وأمّا مبنى الاختلاف فإنّهم مننعوا الكناية قبل التصريح لفظاً ورتبةً، ولم يُجَوِّز غير الكسائيّ حذف الفاعل، [ص25] ولم يُجوِّز إعمال الثّاني الفرّاء.
المبتدأ والخبر
المبتدأ ذو الخبر: ما أُسِدَ إليهِ مؤخَّر، أو مُقدَّم، ولا يعمل فيه، عاياً عن النّواسخ، وهو هو، نحو: زيدٌ قائمٌ وإنسانٌ عمرو، وقائمٌ أنتَ. وعامله الخبر عند الشَّيخينِ. العائد من الخبر عند الجمهور. ولا يجوز الابتداء بالنكرة، ما لم تُفِدْ، ويجب تقديمه إذا كانا متساويينِ، نحو: (هذا زيدٌ)، و (أفضل منك [ص26] أفضل مني)، أو كان المبتدأ مما له الصّدر، حو: مَنْ أبوكَ ؟ أو كاَ خبرهُ مما لو قُدِّم لَعمِلَ فيه نحو: (زيدٌ قامَ)، بخلاف: قاما الزّيدانِ، أو كانَ خبرُهُ محصوراً نحو: ما زيدٌ إلا قائم، وقد يُحذَفُ، ويجِبُ في نعتٍ مقطوعٍ: نحو: (الحمد لله الحميد) ومصدرٍ نابَ عن فِعلهِ، نحو: (سمعٌ وطاعة)؛ وكلّ خبر [ص27] لا بُدّ فيه من عائد إلى المبتدأ، وقد يَتَعَدَّد ويكون جملة، ويدخلُهُ الفاء. ويحذف، ويجِبْ في نحو: (ضربي زيداً قائماً)، أي: ما هو سدّ مَسَدّه الحال، ومثله: لَعَمْرُكَ لأفعَلَنَّ، وقد يُترَك مُستَغنًى عنه، إذا ظهرَ المراد، نحو: (كلُّ رجلٍ [ص28] وضيعتهُ)، ولا يُقدّم على المبتدأ إذا كانَ مُصدَّراً بـ (إنَّ) أو (أنَّ) أو (كأنَّ) أو (لنَّ) أو (ليتَ) أو (لعلّ) النَّواصب، وكثُرَ حذفُهُ بعد (لا) التبرئة، ويجب في لغة تميم، وقد يدخُلُهُ الباء، بعدَ ( ما) و (لا) و (هل) فينصب [ص29] بنزعهِ بعدَ ما كثيراً وبعدَ غيره شاذاً، وقد يدخل اللام في الخبر بعد (إنَّ) غالباً، إذا كانَ مضارعاً اتفاقاً أو ماضياً، خلافاً للشيخ وهشام؛ وورَدَ بعد (لكنَّ).
المبتدأ الموافق ذو الفاعل
هو شِبهُ فعل أُسنِدَ إلى فاعلهِ الظاهر، ترافعا؛ وحكمهما حكم الفعل مع فاعله، ويدخل عليه (إنَّ وأخواتها)، تقول: (إنّ قائماً [ص30] زيدُ)، و (إنَّ قائماً الزّيدانِ).
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن
