28 سنة من الفرار والغربة لم تنه الاشتياق الى الأهل24/09/2012 09:13
فرّ ديفيد هملر من القوة الجوية الاميركية وكان الأهم في قائمة المطلوبين لمدة 28 سنة، متخذا شخصية مزيفة، وتزوّج وكوّن عائلة في السويد؛ ولكن في نهاية المطاف، ظهرت الحقيقة.
حصلت حالة الفرار في 1984، أثناء ذروة الحرب الباردة، حيث كان الرئيس رونالد ريغان ينشر صواريخ بيرشنغ- 2 في المانيا الغربية. كان ديفيد هملر آنذاك يعمل كمتحدث لعدة لغات بعمر 21 سنة لصالح القوة الجوية الاميركية في اوغسبيرغ في مقاطعة بافاريا الالمانية، الا انه لم يكن مرتاحا، فقدم طلبا لمسؤوليه لتسريحه على أساس كونه قد أصبح معارضا للعنف. فجاء رد مسؤوليه على طلبه، بأن يعرض على طبيب نفساني لمعاينته.
يقول هملر: "لم أعتقد بان كوني مناهضا للعنف معناه أنني صاحب علة، بل كنت أشعر بالضيق؛ وكنت أبقى ساهرا طوال الليل أفكر ولا أتمكن من النوم، وحصلت عندي صعوبات في تناول الطعام أيضا، وفقدت الوعي لعدة مرات."
لم تسمح له القوة الجوية بالتسرح من الخدمة، وعزل عن مهمته السرية وحوّل إلى أعمال التنظيف. وبعد عام من تنظيف الارضيات، أدرك هملر بان قيادته لن تسرّحه بسهولة.
فيقول: "كنت أشعر بضيق شديد، حيث أمضيت ثلاث سنين وبقي علي أداء ثلاث اخرى. وكانت حالتي بالغة التعاسة، وكنت أتوق إلى الهروب." وهكذا، بدأ هملر يفكر في التغيّب بدون رخصة سماح.
خطط هملر فقط بترك مكانه لفترة قصيرة، واصفا تلك الخطوة بأنها تمثل نوعا من طلب المساعدة لجعل المحيطين به يفهمون ما يمر به من مشاعر محبطة، إلا أن الأمر لم يكن بتلك الصورة؛ فقد قرر الرحيل الى السويد التي زارها مسبقا ويعتقد بانها تأوي جنودا أميركان فروا أثناء الحرب الفيتنامية. وأطلق على نفسه اسم "هانز شفارتس"، وأدعى بأنه إبن لعائلة مترحلة عاشت في 35 بلدا مختلفا.
ساورت الشرطة السويدية الشكوك وأرادت ترحيله، وخمنّت من خلال لهجته بانه قادم من شرق الولايات المتحدة، ويعلق هملر: "لكن لم يعرف أي أحد الى اين سيتم إرسالي، وقلت لهم بأنني ولدت في سويسرا.".
في نهاية الامر، لم تتمكن الشرطة السويدية من إمتلاك دليل كاف على أُصوله؛ وبدلا من إيداعه السجن، سمحت له السلطات بالبقاء في البلاد. وبعد سنة ونصف، حصل على رخصة الإقامة.
وبالرغم من ذلك، عاش هملر حياة ملؤها الخوف، فهو يعرف بأن رخصته قد بنيت على هوية مزيفة وأن السلطات الاميركية ستلاحقه، ويقول: "في كل مرة أسمع فيها صفارة الشرطة من بعيد، كنت أعتقد بانها قادمة نحوي لتعتقلني." وأشار إلى ان القوة الجوية الاميركية وضعته في قائمتها الخاصة ضمن أكثر عشرة أشخاص مطلوبين لها بجانب القتلة والمغتصبين، كما تم تحديث صورته بإنتظام في موقع القوة الجوية الالكتروني، وتم حذفها فقط في الأسابيع القليلة الماضية.
ولكي لا يتم الإمساك به، تعلّم هملر اللغة السويدية وقام بتغيير هيئته، وترك شعره يطول ليصل الى كتفيه وتوقف عن حلاقة لحيته. وعمل في وظائف عدّة، منها ممرض في منزل لأشخاص كبار في العمر، كما درس علم الإحصاء في الجامعة، ويعمل حاليا في مصلحة حكومية سويدية في مدينة أوبسالا.
وطوال 28 سنة مضت، لم يكشف هملر عن هويته الشخصية لأي إنسان، حتى لحبيبته الأولى في السويد التي أنجب منها بنتا، ولا حتى إلى الأمراة التي تزوّجها لاحقا بعد سنوات ورزق منها بطفلين آخرين.
وصل الأمر كذلك بهملر أن لا يجازف بالإتصال حتى بوالديه، حيث خشي أن يُرحّل ولا يرى ابنته مجددا، وتوجب عليه إتخاذ قرار صعب ما بين التواصل في العيش مع ابنتيه أو الإتصال بوالديه، ففضل إختيار ابنتيه.
وبمجرد أن كبرت ابنته الكبرى، لم يستطع هملر تحمل الإنقطاع عن والديه لمدة أطول. وعندما حاول الإتصال بهم، لم تنجح محاولته، فإتصل بعمته التي شكت في روايته بسبب لكنته السويدية. وبرغم هذا، كان على هملر في الأخير أن يتحدث مع شقيقه لإثبات شخصيته؛ حيث سأله شقيقه عن فترة صباه في شرق بنسلفانيا.
ويتابع هملر: "لقد سألني أخي عن اسم سلحفاتنا التي كانت بحوزتنا عندما كنا صغارا".. أصاب هملر في رده، فطار شقيقه فرحاً، وغمرته السعادة وأخبره بأخبار العائلة طوال السنوات الثلاثين الماضية، وكان جو الحديث رائعا للغاية.
بعد ذلك، حصل أول حديث مع والديّ هملر، معلقا: "توقعت أن يكون الجميع غاضبين، فأنا استحق التوبيخ، الا إن الكل كانوا سعداء جدا بحيث لم يسأل أي أحد منهم عن تفسير لما حصل، فقد كانوا فرحين تماما لمعرفتهم بأنني على قيد الحياة وفي حالة طيّبة."
أما الشخص الآخر الذي كان على هملر أن يبلغه بحقيقته فهو.. زوجته. فيقول:
"في البدء، لم تعرف ما كان عليها أن تصدقه، وبالتالي قمت بجعلها ترى صورتي في إحدى المواقع الاستخباراتية للقوة الجوية ضمن قائمة أكثر عشرة مطلوبين."
وأشار هملر إلى إن زوجته السويدية– التايلندية الأصل لم تشعر بأنه خانها وتتفهم الأسباب التي دعته للزعم بكون إسمه هانز شفارتس، ويحدوها الأمل بإمكانية سفره قريبا إلى تايلند للقاء أفراد عائلتها هناك.
كان هملر متلهفا جدا للقاء والديه، إلا إنه حاليا مطلوب للتحقيق معه من قبل السلطات الاميركية، وهناك مجازفة في إيداعه السجن لفترة تصل إلى 30 سنة إذا ما وطأت قدماه الأراضي الاميركية.ولكونه مواطنا سويديا الآن، أخبره محاموه بأنه من غير المرجح أن يتم تسليمه للسلطات الأميركية.
وعلى الرغم من زواجه وإنجابه للأطفال في السويد، ما زال هملر نادما على قراره بالفرار من الخدمة، ويقول: "كانت عملية تدريجية، إلى أن أوصلت نفسي إلى فوضى لم أتمكن من الخروج منها إلى الآن."