انعام كجه جي
لا حديث للناشطين العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي إلا عن قانون الأحوال الشخصية الذي وافق عليه مجلس النواب قبل أيام. يصطف «الفسابكة» و«التواترة» وأصحاب المنابر الإعلامية للتنديد بالنواب، والنوائب، الذين يفكرون بعقليات القرون الوسطى. لا يكفي هؤلاء ما أصاب البلد من أهوال، ويريدون تسمم القطرة الأخيرة. هل تكون التعديلات الجديدة المقترحة للقانون، ضربة قاضية على بصيص الأمل في أن يتعافى المجتمع العراقي ويستعيد مكانته بين الأمم المتحضرة؟
ليست هي المحاولة الأولى للنكوص عن القانون رقم 88 الذي صدر عام 1959. لقد نظّم قضايا الزواج والطلاق والإرث والنفقة وغيرها، وكان قانوناً «ثورياً» في زمانه، وحتى بمقاييس هذه الأيام. وفي حين أدخلت عليه إضافات جيدة، في السبعينات من القرن الماضي، فإن تعديلات غيرها تمت في الثمانينات، بعد حرب إيران وما تلاها، حرمت النساء من مكاسب سابقة. وكانت الطامة الكبرى بعد الاحتلال الأميركي، حين سعى أعضاء في مجلس الحكم إلى إلغاء ذلك القانون، في ليلة مظلمة. ويومها، هبّت جموع الرجال والنساء المتنورين الذين نهلوا ثقافتهم من المدارس والجامعات العراقية على مدى عقود طويلة، لوأد المحاولة في مهدها. من الذي أعاد وخز الأفعى مرّة ثانية، في هذا التوقيت، بعد الخلاص من الدواعش؟ أم أن الدعشنة عششت على أشجار المنطقة الخضراء؟
أكاد أسمع عظام الدكتورة نزيهة الدليمي تطقطق في قبرها. فتلك الطبيبة التي كانت أول وزيرة في الشرق الأوسط، دفعت الثمين من سنوات شبابها، وخرجت إلى المنفى في فترة مبكرة، وماتت فيه، بسبب نشاطها في رابطة المرأة العراقية، وعملها الشاق مع قانونيين ومُشرّعين ورجال دين من مختلف الطوائف والمذاهب، في سبيل وضع بنود قانون يحفظ تماسك العائلة وينصف العراقية وينقلها من سلعة إلى إنسانة. وفي مقابلة معها، لهذه الصحيفة، قالت الدليمي قبل وفاتها: «صدر القانون وقامت عليَّ القيامة». فقد جوبهتْ بالتكفير من خطباء مساجد. ما أسهل الاستقواء على امرأة!
المعترضون على القانون الجديد يتوقفون عند البند المتعلق بسن الزواج. وتمتلئ مواقع التواصل بصور طفلات يرتدين طرحات العرائس والدموع تسيل على خدودهن الغضة. لكن هذا الموضوع يبقى ملتبساً طالما أن أكثر من 100 دولة تسمح بزواج القاصرات والقاصرين، بما فيها الولايات المتحدة. وأنقل هنا عن تقرير للزميل رضا الأعرجي، عاد فيه إلى إحصاءات الأمم المتحدة التي ورد فيها أن 700 مليون امرأة تزوجن، في الوقت الراهن، بينما كن طفلات أو قاصرات. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقرب من مليار بحلول عام 2030. وبحسب تلك التقارير فإن زواج الأطفال يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن القوانين في أكثر من 116 بلداً تسمح بزواج الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 18 عاماً. وفي أميركا، تختلف القوانين من ولاية إلى أخرى، ومنها ما يسمح بالزواج في سن 16 عاماً بإذن من الآباء والأمهات.
يوجّه كثير من الناشطين السؤال إلى فلان أو علان من أهل الحكم في العراق: «هل تسمح بتزويج طفلتك المدللة؟». لكن القضية لا تنحصر في تشريع زواج الصغيرات فحسب، بل في مجمل أحوال المرأة. وهناك بنود أشد بؤساً، منها ما يضرّ بالأقليات. أريد أن أقول إن القانون ليس منّة من الرجال على النساء. فالعراقيات اللواتي ذهبن إلى المدارس منذ بدايات القرن الماضي، ودخلن الكليات، واشتغلن بمختلف المهن والوظائف، وشاركن في النضال السياسي وقتل بعضهن، وتقلدن الوزارات، وقدن سياراتهن، وبرزت منهن شاعرات وطبيبات وقاضيات ورسامات ومعماريات ومديرات مصارف ومطربات على مستوى العالم العربي، يمتلكن اليوم كامل الاستحقاق في قانون يحترم كيانهن وأحوالهن الشخصية، مثلما يحترم الرجل وينظم علاقاته مع أهل بيته.
منقول