ابو نؤاس ومدح الامام الرضا (عليه السلام)
عن أبي عثمان الجاحظ أنه قال: ما رأيت قط أوسع علماً من أبي نواس ولا أحفظ منه مع قلة كتبه، ولقد فتشنا منزله بعد موته، فما وجدنا فيه إلا جزءاً مشتملاً على الغرائب ونحو ذلك ليس إلا(الأعلام للزركلي: ج2 ص225.
ويروى أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأله عن نسبه؟، فقال له: أغناني أدبي عن نسبي.
روى صاحب كتاب (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ص133)، عن ياسر الخادم، قال: لما جعل المأمون علي بن موسى الرضا ع ولي عهده، وسُكّتِ الدنانير والدراهم باسمه، وخطب على المنابر، قصده الشعراء من جميع الآفاق، فكان أبو نواس الحسن بن هاني من جملتهم، فمدحه كل شاعر بما عنده إلا أبو نواس، فإنه لم يقل فيه شيئاً ولم يقدم أشعاره، فعاتبه المأمون وقال له: يا أبا نواس! أنت مع تشيعك وميلك إلى أهل هذا البيت، تركت مدح علي بن موسى الرضا ع، مع اجتماع خصال الخير فيه، فأنشأ يقول:
قِيلَ لي: أنْتَ أشعَرُ النَّاسِ طُرَّاً
إذْ تَفَوَّهْتَ بِالكَلامِ البَدِيهِ
لَكَ مِن جَيِّدِ القَرِيضِ مَديحٌ
يُثمِرُ الدُّرَّ في يَدَي مُجتَنِيهِ
فَعلى ما تَرَكتَ مَدحَ ابنِ مُوسَى
وَالخِصَالَ التي تَجمَّعْنَ فيهِ
قُلتُ: لا أستَطيعُ مَدحَ إمَامٍ
كَانَ جِبريلُ خَادِمَاً لأبِيهِ
قَصُرَتْ ألسُنُ الفَصَاحَةِ عَنهُ
وَلهذا القَرِيضُ لا يَحتَويهِ
قال: فدعا بحقة لؤلؤ فملأ فاه لؤلؤاً(.
ونقل الشيخ الصدوق بإسناده المعتبر عن محمد بن يحيى الفارسي أنه قال: نظر أبو نواس إلى أبي الحسن الرضا ع ذات يوم، وقد خرج من عند المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نواس في الدهليز، فسلم عليه، وقال: يابن رسول الله ! قد قلت فيكم أبياتاً وأود أن تسمعها، قال ع: هات، فأنشأ يقول:
مُطهَّرُونَ نَقِيَّاتٌ ثِيَابُهُمُ
تَجرِي الصَّلاةُ عَلَيهِمْ أينَما ذُكِرُوا
مَن لم يَكُنْ عَلَويَّاً حينَ تَنسبُهُ
فَمَا لَهُ من قَديمِ الدَّهرِ مُفتَخَرُ
وَالله لما بَرَا خَلقَاً فَأتْقَنَهُ
صَفَّاكُمُ وَاصطَفَاكُم أيُّها البَشَرُ
فَأنتُمُ الملأ الأعلَى وَعِندَكُمُ
عِلمُ الكِتَابِ وَما جَاءتْ بِهِ السُّوَرُ
فقال الرضا ع: «يا حسن بن هاني! قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها، فأحسن الله جزاك»، ثم قال ع «يا غلام! هل معك من نفقتنا شيء؟» فقال: ثلاثمائة دينار، فقال ع: «أعطها إياه»، ثم قال: «لعله استقلها يا غلام! سق إليه البغلة» بحار الأنوار: ج49 ص236 ح5
ونقل المجلسي في بحار الأنوار: ج49 ص236 ح4 أيضاً بالإسناد المتصل عن أبي العباس المبرد، قال: خرج أبو نواس ذات يوم من داره، فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه، فقيل: إنه علي بن موسى الرضا ع، فأنشأ يقول:
إذا أبصَرَتْكَ العَينُ مِن بَعدِ غَايَةٍ
وَعارَضَ فيكَ الشَّكُّ أثْبَتَكَ القَلبُ
وَلَو أنَّ قَوماً أمَّمُوكَ لَقَادَهُم
نَسيمُكَ حتى يَستَدِلَّ بِكَ الرَّكْبُ
وفي كل ما ذكر من الروايات أيضاً من الدلالة على حسن حال الرجل، وخيرية مآله، وإمامية مذهبه، ما لا يمكن إخفاؤه.
وظاهراً أن أصحاب المعرفة والعقل والعلم لا يموتون إلا وهم راجعون إلى هذا الأمر.
أبو نواس الحسن بن هاني بن عبد الأول، ولد في الأهواز في الجنوب الغربي من بلاد فارس سنة (145هـ = 757م)، كان قليل الاهتمام بالشعوبية التي كانت ثائرة في أيامه، ولم يكن متعصباً للعرب على الفرس ولا لغير العرب على العرب،
وهو شاعر الخمر، كان نديماً لمحمد الأمين بن هارون العبّاسي من زوجته زبيدة، قيل: هو في الطبقة الأولى من المولدين، وكان للمحدثين مثل امرئ القيس للشعراء السابقين، توفي سنة (199هـ / 813م)، ودفن في مقابر الشونيزي، راجع الذريعة: ج9 ص51.