صـرنا مـثل الناس
\n
\nكان في قديم الزمان ملك من الملوك اسمه صقر صاحب دين وحكمة وأخلاق وعادل بين الناس، لم يرزقه الله سبحانه وتعالى سوى بولد واحد، فرباه أحسن تربية وعاش على الرفاه والدلال، وتعلم الأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة، حتى يحبه الشعب ويصبح ملكاً عليهم بعد عمر طويل، وأمه كانت جميلة وبنت أصل أحبّت ابنها كثيراً وتعلّقت به، ولم تعد تصبر على فراقه ساعة زمان.
\nشبّ الولد وكبر وأصبح جسمه قوياً جميل الأوصاف، لكنه كثير الحركة تولّع بالصيد والقنص والسفر. في أحد الأيام قرّر الولد أن يخرج مع أصحابه إلى القنص، فتجهّز الشاب قبل الفجر للخروج إلى الصيد، فلما رأته أمه قالت له: أنا خائفة عليك يا ابني وبالي مشغول، لا تخرج إلى الصيد حتى لا يحدث معك سوء فالزمن غدّار، اقعد في القصر وتمتع بحياتك فلا ينقصك شيئاً.
\nضحك الأمير وقال: أنا لم أعد صغيراً يا أمي حتى تخافي علي فقد صرت رجلاً وقد الحصان، ارتاحي وطمّني بالك سأعود لك بالسلامة، ومعي الصيد الوفير إن شاء الله تعالى، فحزنت الأم وذهبت إلى الملك وقالت له: إما أن يبقى ابنك ولا يخرج إلى الصيد، وإمّا أن تذهب مع ابنك حتى تبقى عيونك عليه وترعاه حتى يرجع بالسلامة.
\nسمع الملك كلام زوجته وجهز نفسه، وخرج مع ابنه إلى صيد الغزلان في الصحراء ليرافقه ويعتني به ويحميه من غدرات الزمان. في الطريق قال الملك لابنه: سنرى من يصيد أول صيد أنا أو أنت. فردّ عليه الابن: أنت فارس الفرسان يا أبي، ولا أحد مثلك في العالم، وبقيا يتحادثان ويتضاحكان مسافة بعيدة، حتى رأيا غزالاً يمرّ من أمامها، فرماه الأمير بالسهم الأول وحاول ألاّ يصيبه عن قصد, ورمى عليه الملك فأصابه، وفرح الجميع بهذا الصيد وحملوه على الحصان، وتابعوا طريقهم مسافة من الزمن فشاهدوا طيراً كبيراً قدر النعامة، واقفاً على رأس تلّة صغيرة قريبة منهم. قال الملك لابنه: أنت تذهب من هذه الجهة وأنا أذهب من الجهة الأخرى، فنحاصره فإذا نفذ من واحد تلقّاه الثاني.
\nسمع الأمير كلامه ولما اقترب من الطير، وأصبح على مرمى سهمه، طار الطير ثم نزل بعد مسافة، فلاحقه فطار وابتعد كثيراً، وبقي يلاحقه حتى تمكّن منه وأصابه بسهم فقتله، فرح الأمير بصيده ولم يدر أين أصبح والده، وكان الأمير تعباً فجلس يرتاح وقد هدّه الجوع والعطش، والمشي الطويل تحت الشمس، فنصب سهامه على الأرض، وفرش الطير على السهام وفرد جناحيه واستظلّ به ونام.
\nأما الملك فإنه لاحق الطير من الجهة الأخرى، ورماه فلم يصبه ولما طار تابعه مرة أخرى، وسار وراءه وأضاعه ثم رآه بعد فترة على سفح الجبل، فأطلق عليه سهماً فأصابه لكن الطير لم يتحرّك من مكانه، فرماه بسهم آخر فأتى في وسطه أيضاً، فاقترب منه بحذر وهو يشعر بالفرحة والغبطة، ويحدّث نفسه قائلاً : سيرى ابني حقيقة أنني أحسن صياد في المملكة ؟
\nولما صار فوق الطير رأى منظراً صعقه، وطيّر صوابه وفجّر عواطفه، فقد كان ابنه على الأرض مضرجاً بدمائه، وقد أتى سهم أبيه في قلبه، فارتمى الملك على ابنه واحتضنه، وبكى وناح عليه حتى جفّ دمعه، ثم حمله على كتفه وحمل الطير على الكتف الثاني، وعاد إلى جماعته فقصّ عليهم حكاية المصيبة التي وقعت له، فحزنوا على الأمير ثم لفوه بثوب من القماش، ووضعوه على حصانه وعادوا إلى ديارهم.
\nاستقبلتهم الملكة ملهوفة وسألت عن ابنها، فأجابها الملك بكل رباطة جأش: لقد تأخّر قليلاً وهو قادم مع الصيد، ورأت حصان ابنها يحمل لفّة من القماش، فسألت عنها. فأجابها الملك: إنه أكبر صيد صدته في حياتي وقد حملته على حصان ابنك، وقبل أن ننزله وأريك إيّاه أريد منك أن تأتي لنا بأكبر قدرٍ في البلد حتى يسعه، ولكن على شرط أن يكون الدست من بيت لم يدخله حزن حتى الآن، فقبل أن تسألي عن القدر اسألي إن كان أهل البيت قد أصابتهم مصيبة، ودخل بيتهم الحزن أم لا ؟.
\nأطاعته الملكة وذهبت تبحث عما طلبه، وهي متعجبة من أمره وأمر شرطه، وبعد بحث طوال النهار عادت الملكة في آخر النهار خالية اليدين، وقد هدّها التعب والبحث والسؤال، وقالت للملك: لقد درت على كل البيوت وسألت كل الناس، فلم أجد بيتاً لم يدخله حزن، أولم تحدث فيه مصيبة فما العمل؟.
\nفكّر الملك قليلاً وسألها: وهل دخل بيتنا الحزن قبل الآن، أو حدثت عندنا مصيبة ؟.
\nفأجابته: لا يا ملك الزمان لم يحدث شيئاً مما تقول.
\nفقال لها حزيناً: الآن تساوينا مع الناس؛ أنزلي ابنك من على الحصان، فهو الصيد الكبير الذي صدته اليوم، ودعينا نحزن عليه كما حزن الناس على مصيبتهم.
\nكان الحزن قد تمكّن من الملكة خلال جولتها على البيوت، وما سمعته من المصائب والأهوال التي جرت لهم، فهانت عليها مصيبتها وأقامت العزاء ثلاثة أيام؛ بعدها عادوا إلى حياتهم العادية، وعاشوا بقية حياتهم بالرضى والنعيم والسلام.
\n