لماذا (العراقي) ؟! بقلم عامر غزير
الاسم واللقب: عامر غزير
الكُنية: العراقي
ت و م الميلاد: 17 ماي 91 معاوية سطيف
#قبل_ست_وعشرين_عاما (الجزء 1)
ماذا لو قيل لك أنّ رجلا عليه ديون عجز عن تسديدها؛ قد قبل بِتعَهّدٍ التكفّلَ بمصاريف علاج مريضٍ يئس من دائه !! لاستغربت من تصرّفه ولربما سخرت منه ...
كذلك حين هرع بعض الآباء الجزائريين قبل ست وعشرين سنة لتسجيل أنفسهم بمصالح الحالة المدنية لاستقبال يتامى حرب الخليج من العراقيين والقبول اللامشروط بالتكفّل رعاية وحنانا؛ رغم ضنك العيش ومحدودية الدخل وازدحام الغرف بأبناء الصلب والقلب، وفوضى السياسة في البلاد !!!
ولكنها حقيقةٌ تؤكدها الأحداث المُدوّنة في العقول والقلوب؛ حقيقة تعلّق الشعوب ببعضها رغم القهر والفقر والحرمان ودمار الأرض والإنسان..
حين أشاهد عراق اليوم يُحيلني شعور غريب إلى حال أمّي حين أجاءها المخاض وأنا أتخبّط داخل بطنها الشريف وكأنّي أستعجل الخروج إلى هذا العالم الذي تسوده الفوضى والدماء والصراخ... كيف كان حالها وهي تضع حملها وعيناها ترى بوضوح حال الجزائر وقلبُها يئن لحال العراق هناك كغيرها من الأمهات اللواتي تعلّقن بقضايا الأمة بوعي أو بشعور أو بعاطفة أنثوية !!
أنتَ من أرض صدّام جِيء بك في قارب خشبي قديم إلى سواحل جيجل الواسعة وكنت أصغرهم وأوْسَمَهُمْ لذا كان حظك النجاة بعد غرق القارب في ليلة ماطرة. وأوفرهم حظا لأنّك بيننا تنعم بدفء عائلي تُزيّنه حكايات ومغامرات ربّ العائلة وهو يحرّك أعواد الخشب الذائبة داخل المدفئة بلطف وحكمة.
قبل ربع قرن كان الصبي يسجلُّ في ذاكرته الحكايات الخياليةِ النسج الحقيقيّةِ البوح...
وسرعان ما صار مطلبَ فتيان وشباب الحيّ يقصُّ عليهم حكايته كيف أتى في قارب الموت ونجاته العجيبة ووصوله إلى برّ الأمان؛ وهو في ذلك السنّ كان يستقبل الأسئلة المتباينة من الفتية في حلقة تشبه حلقات الذكر عند الصوفيّة الأوائل .... أسئلة منها البريئة نتيجة الفضول والذهول وأخرى ساخرة للترويح والاستراحة من ركل كرة الأكياس الصلبة المبللة ....
وصرتُ حديث الساعة عند الأقران والشباب في الحيّ وتخلّت الأفواه عن اسمي بسُرعة لأنتسبَ دون دليل مدني إلى بلدٍ لم يكن حاله أحسن من بلدي... من صراع دموي إلى معركة حامية الوطيس... هكذا نشأتُ قبل ربع القرن مثلما نشأ جيلي الذي لطالما حلم ببلد آمنٍ يأتيه رزقه رغدا من كل مكان.
لكنّه انتسابٌ محمودٌ فالعراق بلد الفكر والأدب والعلم ولطالما افتخرتُ بياء النسبة في هذه الكُنية خاصة عندما تنطقها أمّي وهي أساس المعادلة في كلّ هذا... (لعيراقي نوض) إنّها الدفع المعنويُّ للنهضة التي يسبقها وعي ويعقبها سعيٌ... وليست حرمانا من الفراش الدافئ .... فكثيرٌ من عراقِيي الجزائر _أمثالي_ لم ينعموا بهذا الدفء بسبب الخنجر والقُبّعة وتربص الأعداء ليلا ونهارًا.
هل هناك ملّف آخر اسمه "صبيان عراقيون" في الجزائر ؟؟ كملف من فُقدوا طيلة وجود صبيان الأمس رجال اليوم !!
نعم؛ والدليل سجّلات أسماء سنة واحدٍ وتسعين تسعمائة وألفٍ التي زُيّنت بالصّاد والدّال والميم كأحرف من ذهب تؤكد الرابط العِرْقي؛ إضافة إلى حرف الزّاي الذي يعوّض صاد صدّام ليُعطي الاسم نكهة جزائرية خالصةً ....
لقد كبر الشعور الغريب الذي يحيلني كلّ مرة إلى مخاض أمي قبل ربع قرن من الزمن ليَصير وعيًا ازداد توهجًا حين كَبر الصبي الناجي من الغرق وظهر القارب الذي انحرف في الليلة الماطرة؛ ظهر في صبيحة مُشرقة ........
يُتبع