أذكر تماما تلك الفترة عندما عندما كنت أكمل دراستي العليا في الخارج وكان أصدقائي بيتر وبيا يخططون لزواجهم. بيا كانت متدينة الى حد ما، وقد كانت إحدى متطلبات الكنيسة التي كانت ترتادها هو أن يحضر العرسان ورشة عمل لحمل الأزواج على التفكير في بعض الامور المهمة قبل الزواج. في هذا النوع من الورشات يطلب المدرب من العرسان نقاش بعض الأمور التي يجب أن يكون هناك اتفاق حولها قبل الزواج مثل الأمورالمالية، تربية الأطفال، دور العائلة في العلاقة، خطة التقاعد وغيرها الكثير من الأمور التي قد تبدو تافهة في بداية الامر، إلا أنها قد تحول الزواج الى رحلة شائكة ومعقدة فيما بعد إن لم يكن هناك إتفاق حولها. في حالة بيتر وبيا، سببت الورشة الكثير من التوتر بينهما؛ بالنسبة لبيا، أصيبت بالصدمة من عدد المواضيع التي اكتشفت أنها لا تتفق عليها مع بيتر. أما بالنسبة له فكانت صدمته بأنه لم يكن يعرف بأنها تفكر بتلك الطريقة. حتى لا نترككم في تساؤل، انفصل بيتر وبيا عن بعضهما بتراض بعد فترة وجيزة، بالرغم من أنهما كانا يعرفان بعضهما البعض لفترة طويلة جدا. وقد حدث أن رأيتهما بعد سنوات وقد تزوج كل منهما من شخص أخر وأخبرني كلاهما بأنهما شعرا بأنهما محظوظان لأنهما اكتشفا ما اكتشفاه عن بعضهما البعض في الوقت المناسب.
تخيلوا مدى استمتاعي وأنا أستمع لهما في حوارهما في تلك الليلة المشؤومة. في الحقيقة أذكر تماما بأنني وجدت فكرة ورشة العمل قبل الزواج مثيرة للاهتمام، وخاصة في مجتمعنا حيث يتم في الزواج بشكل تقليدي باتفاق بين العائلات. وحيث يعتقد العض في مجتمعاتنا العربية بأنه يجب تزويج البنات في سن صغيرة (٩ سنوات في بعض الحالات) حتى يقوم الرجل بتربيتها على يده بالطريقة التي يراها مناسبة. وفي المجتمع الذي لا تزال تعتبر فيه المرأة المطلقة وكأنها مصابة بوباء خطير. تخيلوا نوع النقاش الذي سيدور بين إبن الخمس وعشرين عاما مع خطيبتة التي لم تبلغ بعد، أو بين عريس أختارت له والدته ابنة الحسب والنسب التي تختلف معه تماما في منظومتها الأخلاقية. هل ستنفعهما مثل هذه الورشات يا ترى؟ وكيف سيبرران رغبتهما في الانفصال أمام الضغط المجتمعي الكبير الذي يواجهانه؟
بما أن فكرة الزواج في مجتمعاتنا العربية لازالت بعيدة كل البعد عن فكرة الشراكة، فقد قررنا اختيار مجموعة من المواضيع التي ندعو أولئك الذين يتزوجون باختيارهم التفكير بها. لأن الحقيقة تبقى بأن أكثر العقول المتطورة لا تستطيع التنبؤ بالمشاكل التي قد تواجة المتزوجين.
١- إدارة أموال الأسرة، كيف ستتم؟
هل تحدثتم عن طريقة إدارة الأموال قبل الزواج؟ وخاصة أن موضوع المال هو موضوع حساس جدا، بالرغم من أنه أمر يخص الطرفين سواء كان كلاهما يعمل أم لا. هل لديكم خطة عن كيفية إدارة الدخل بشكل يومي؟ عمن سيكون له القرار المالي؟ عن الخطة طويلة الامد؟ هل تحدثتم عن حق الزوجة براتبها أو عن ضرورة مشاركتها في مصاريف المنزل حتى تكون شريكة حقيقية لزوجها؟ هل تحدثتم عن حالات الطوارئ التي قد تصيب العائلة و من أين سيتم تغطية التكاليف؟ هل ابتكرتم معادلة منطقية لتوزيع الدخل الشهري؟
٢- ما هو شعور كلا الزوجين نحو عمل المرأة أو نوع التغيرات التي ستطرأ على الحياة بسبب عمل إحداهما؟
الكثيرون لديهم أراء معينة جدا حول عمل المرأة. فالكثيرات ينتظرن أن يأتي ابن الحلال لينقذهن من عالم الأعمال. وفي ذات الوقت هناك الكثيرون ممن يعتقدون أن دور المرأة الأمثل في منزلها. وهناك آخرون ممن يعتقدون بحق المرأة في العمل أو الإنجاز. لا يوجد أي خطأ في أي من الخيارات ما دام الطرفين متفقين عليها. المشكلة تكون في حالة كان هناك فرق في أولويات كلا الطرفين. من ناحية أخرى قد يطرأ على حياة الزوجين مثل تطور وظيفة احدهما والذي عادةً ما يزيد العبء وقد ينتهي في بعض الحالات بالسفر، وهنا نجد المسؤولية اختلفت بالتوزيع بسبب هذه التغييرات لذلك يجب على الزوجين التحدث بوضوخ و صراحة حول هذا الموضوع.
٣- ماذا عن تفاصيل تربية الأولاد؟
هذا الموضوع كبير ومتشعب وله جوانب متعددة. بداية هناك البعض ممن يريدون الإنجاب بعد الزواج مباشرو وهناك من لا يريد ذلك، بحيث يودون الانتظار حتي يكونون مستعدين نفسيا وماليا لذلك. هناك آخرون ممن لا يريدون الإنجاب أبدا وهذا أيضا خيار مطروح إن كان كلا الطرفين متفقين عليه. ولكن موضوع الأولاد لا يتوقف عند الإنجاب، هناك أيضا موضوع التنشئة و التربية. كيف سيكون؟ هل سيختار الأباء التنشئة المحافظة أم الليبيرالية؟ في أي المدارس يودون أن يرتاد أبنائهم وأي نظام تعليمي؟ وخاصة أن المدارس من أكثر الأمور المتعبة فكريا وماديا للعائلة. وفي حالة كان الأب و الأم مختلفين، ما هي القواسم المشتركة لتربية الأبناء بطريقة واضحة كي لا يتشتت الابناء مع اختلاف طرق الاب عن الأم؟ كلها مواضيع كبيرة ومعقدة، هل وجدتم الوقت المناسب لنقاشها؟
٤- ما هي مسؤوليات كلا الزوجين داخل المنزل؟
كثير من الامور ستتوزع بين الزوجين بشكل تلقائي. وتصبح هذه الأمور أهم إذا كان الطرفين يعملان. هل تناقشتم في موضوع تنظيف المنزل والطبخ؟ و فيما يخص موضوع تربية الأبناء. من ناحية هناك البعض ممن يرمون جميع هذه الأعباء على الزوجة، ومن ناحية أخرى هناك البعض ممن يرى أن المنزل و الابناء مسؤولية مشتركة بين الطرفين وخاصة في حال كان كلاهما كثير الانشغال. من أجل تجاوز أي خلافات مستقبلية يجب الحديث في المسؤولية وطريقة توزعها بين الزوجين.
٥- العلاقة مع العائلة؟
من المؤكد أن العلاقة مع العائلة هي ما يسبب أكبر المشاكل بين الزوجين في العالم العربي. فالكثيرون يسكنون بجوار العائلة والكثير من العائلات تعتقد أن من حقها تنظيم شؤون ابنائها المتزوجين. يجب الاتفاق على موضوع تنظيم العلاقة ووضع حدود له منذ البداية لتجنب أي ازعاج قد ينتج بسبب تدخل أهالي الزوجين بأمورهم ومشاكلهم الشخصية وحتى يحافظ الزوجين على علاقتهم الطيبة مع الجميع. ولكن أيضا هذا يتضمن احترام الطقوس المختلفة لكل عائلة واحترام طريقتها في التعبير أو الاحتفال، فعلى الزوجين أن يكونا مستعدين للاختلاف، لأن الزواج سيضعهم ضمن هذه الأجواء التي عليهم تقبلها واحترامها حتى لو اختلفت عن المعتاد في حياتهم.
٦- طبيعة العلاقة مع الأصدقاء؟
الكثير من الاشخاص يفضلون الحياة الاجتماعية المليئة بالنشاط وآخرون يفضلون حياة اجتماعية هادئة. وهناك البعض الذين يقطعون تواصلهم الاجتماعي مع بعض الاشخاص بعد الزواج. لتجنب هذه الحالة يجب مقابلة الأصدقاء. ومعرفة الأصدقاء المهمين من أولئك غير المهمين. فوجود حياة اجتماعية وأصدقاء يجعل العلاقة أكثر متعة.
٧- هل هناك ثقة واحترام متبادل وتقبل لاختلاف الاراء بروح رياضية؟
بالمختصر، هل تشعرون بالأمان للحديث عن المشاكل الشخصية والجنسية والعاطفية والمخاوف والأهداف المستقبلية…وغيرها من الأمور الخاصة أو الحساسة بطريقة عقلانية وشفافة ومريحة؟ هل ناقشتم الامور التي قد تسبب القلق لاحد الطرفين مثل قصة حب من الماضي، أو مشكلة صحية معينة أو تعقيد عائلي أو غيره؟ يجب ترك مساحة آمنة ليتكلم الطرفين بصراحة ووضوح، لأن الحياة ستصبح معقدة، وكلما كان هناك شفافية ووضوح في البداية، كلما خفف هذا من أعباء الحياة في المستقبل. و في المناسبة ستكون الحياة أقل تعقيدا إن كان كلا من الطرفين يعرف ماذا يتوقع من الآخر، و كلما زادت الثقة والاحترام بينهما.
٨- هل سيحترم كل منا معتقدات الاخر الروحانية؟ وهل سنكون مرتاحين مع المعتقدات التي قد تحتمل الايمان وعدمه؟
يمكن أن تكون المعتقدات الدينية من أهم ما يسبب التعقيد في الحياة الحديثة في العالم العربي. فقد تم تقسيمنا الى طوائف ومذاهب متناقضة ومختلفة. والجانب الروحاني من الأمور التي سيتعامل معها الزوجين في كل يوم، سواء في موضوع تربية الأبناء أو في طريقة اللبس أو في العلاقة مع دار العبادة وغيره. ومثال على ذلك موضوع الحجاب، قد تختار الفتاة الحجاب بعد الزواج بالرغم من أن الزوج لا يحبذ ذلك. وقد يجبر الزوج الزوجة على الحجاب بالرغم من أنها لا تعتقد به. وهكذا تبدأ المشاكل تصل الى موضوع الحرية الشخصية وغيره من المواضيع التي تؤرق الزوجين، عندما كان يمكن الاتفاق على هذه التفاصيل و النقاش حولها قبل الزواج بكل بساطة وأريحية.
٩- تفاصيل من حياة الشريك
من المهم في هذا النقاش معرفة تفاصيل في حياة الشخص الذي سنرتبط به، وباتخاذ الزواج كخطوة قد نتخلى من خلالها عن بعض الاشياء المهمة مثلاً مكان السكن، الدولة، العمل، ويجب توضيح هذه التفاصيل حتى لا يتفاجأ أحدكما بوجود مجموعة من الجماجم أو الأسرار الدفينة أو حتى معتقدات معينة بعد الزواج. فالزواج هو رحلة صداقة وتضحية ومحبة لمن استطاع تخطي الحواجز الأولى طبعا.
. .منقول. .