أرأيتم النخلة وهي تنحني باستحياء.. وترخي بسعفها على ثمارها حتى تظللها في عطاء تخضع من أجله.
كذلك الإنسان حينما يسدل ستار الإيمان على نفسه، يستحي من ربه، فيحفظ في أدب جم جوارحه.
والحياء في الإنسان تاج ووقار يزينه، ويكسوه عفة وطهارة، ويردعه عن الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وكما عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه "شعبة من شعب اﻹيمان"متفق على صحته. وقال أهل العلم: إن الرجل إذا خالطه الحياء، دل على كرمه وأخلاقه. والحياء في المرأة يدل على عفتها. الحياء في الولد يدل على أدبه وذكائه.
وهو أي الحياء خلق مرافق للإيمان... ولا يأتي إلا بخير.
(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)سورة القصص.
كذلك الحياء من صاحبة العفاف والدين ابنة شعيب.
وهي تخاطب موسى عليه السلام دون جرأة ولين.
وما كان منه عليه السلام إلا استحى منها، وطلب أن تسير خلفه وأن تقذف بالحصى... حتى تدله على الطريق.
فأي حياء هذا الذي خالطه إيمان وتقوى.!!
حياء صدر من نفس أبية تقية، تخشى الله لا تخشى غيره.
ومما يذكر عن نبي الرحمة صلوات الله عليه... أنه إذا بلغه عن رجل أمر غير جيد أو رأى سلوكا لا يعجبه، لا يخاطب الشخص بعينه لطيب خلقه، بل يوجه كلامه إلى العامة فيقول: "ما بال فلان يقول، ولكن مابال أقوام يقولون كذا وكذا"رواه أبو داود وصححه الألباني.
وكان لا يسأل شيء إلا أعطاه لشدة حيائه.
وأما حياء الرب جل في علاه:
فكما يصفه ابن القيم رحمه الله فيقول: "وأما حياء الرب تعالى من عبده، فذاك نوع آخر لا تدركه اﻷفهام، ولا تكيفه العقول ...فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال. وأنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا. وأن يعذب ذا شيبة شاب في الإسلام".
وأسس مكارم اﻷخلاق الحياء. وأصل الحياء إيمان يسري في النفس، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ»رواه الحاكم في مستدركه، والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
والحياء لا يمنع صاحبه عن اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما يقوي فيه عزيمة الحق والفضيلة والخشية، فيظهر خيره ويخفي شره. فلا يرى منه القبيح من القول و العمل.
ويصونه من إيتاء المنكر.
والحياء من الله: حياء المحبوب من محبوبه، فلا يريه إلا ما يحب ويسمعه ما يرضى عنه.
والحياء من النفس: عند الخلوات وفي مواضع الشهوات، فمن عمل عملا في السر يستحي منه في العلن. فليس لنفسه قدر كما يقول العلماء.
والحياء من الوالدين: ببرهما وغض الطرف عند غضبهما، واﻹحسان إليهما ما أمكن.
والحياء مع الناس: أن يظهر لهم الخير، ويكف عنهم الشر. ويعاملهم بإنسانية ورحمة.
وقد جاء في اﻷثر: يقول الله تعالى: "يا ابن آدم إنك إذا استحيت مني أنسيت الناس عيوبك، وأنسيت بقاع اﻷرض ذنوبك، ومحوت من أم الكتاب زلاتك. وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة".
الحياء مكرمة ربانية،وكأنه لؤلؤ تناثر على جبين صاحبه.