اعترف لك يا أمي، اعترف لك يا ربة بيتنا، يا غالية يا عظيمة.
اعترف أني ظالمة، جاحدة، اعتراف من ابنة مارست العقوق بلا شعور، ولم تحسن لأمها من غير قصد.
اعترفت بعد أن ذقت بعض ما تحملتِ، وأصبحت أعاني دروب من معاناتك الأسرية، وبدأت أدرك رسوخ عمود الاعتماد عليك، وتدفق عطاءك، وأنهار حنانك، ولن تكفي الكلمات للتعبير عن قدرك ومنزلتك، يا كل الحياة.
اعترف، وأرجو ألا يكون قد فات الأوان، لقبول الاعتذار ولتصحيح الأخطاء.
أعتذر عن تقصير وإهمال، وإبخاس ونكران لجميل فضلك وإحسانك، فمهما أحسنت وقدمت، لن أوفيك أو أرد لك شيئا مما قدمتِ وفعلتِ.
شكرا لكِ يا أمي، يا ربة بيتنا، التي طالما تناست وتغافلت عن أثرها وتأثيرها، بل وأحياناً تنافرت وأنكرت جاذبيتها وجمالها الظاهري والباطني.
الآن يا أمي، بعد أن أصبحت زوجة وأم، وبعد أن حملت راية ربة البيت، واندرج اسمي في سجل توظيف الزوجات والأمهات أدركت الحقيقة؛ إنها تشريف وتكليف، مهنة ومهارة، فن وعلم.
ثقل الحمل على كاهلي يا أماه، ضاقت علي نفسي من القيادة، كلت سواعدي من تلاطم التكاليف والأعباء.
تصبو نفسي للتقدير والثناء، أتوقع المساعدة والمشاركة، أنتظر الاعتراف، وأتشوق للاعتذار.
كبرت يا أمي، ويوما بعد يوم تقترب ملامحي من هيئتك، وتطابق ساعات يومي سير أوقاتك معنا، ولكن أين أنا منك؟
أنت شعلة نشاط، شموع ضياء، عبير فواح في الليل والنهار. ساهرة والكل نيام، متفرغة لكل منا، والكل مشغول عنك! مربية، معلمة، طبيبة، معالج نفسي، صديقة أمينة، حارس يقظ، مدرب محترف، طاهية ماهرة، عابدة متذللة، قاضى عادل، محبة مخلصة، وحبيبة وفية، خادمة ملبية بلا أجر، مرضعة حنان، الحاضر الغائب.
أنت لكل منا، وكأنه أحب أولادك لقلبك ولزوجك، نعم الزوجة الصالحة، كيف ومن أين وبما لك بكل هذا الأداء المتقن، والعطاء الدؤوب؟.
وأنا اليوم، ربة بيتي، أجاهد وأحاول أن أسير على خطى دربك.
فأدركت عظم وظيفتك، وكم الإخفاق في تقدير دورك، وجرم الإبخاس والإهمال في مكافأة عملك.
ولا شك أن أجرك عند الله ـتعالى ـ وحقك محفوظ في السماء.
ولكن أين تقدير أهل الأرض وأجور ومستحقات وظيفة ربة البيت؟
أعتذر
أعتذر لك، إننا لن نستطيع مهما عملنا وقدمنا، أن نوفي ما أديت لنا من خدمات، وأتممت من مهمات، وأنجزت من مسؤوليات وتكاليف.
أعتذر كم مرة قدمتِ لي طعاما، ولم أشكر إبداع طهيك، بل والأسوأ أن أعترض وأعرض، أراني أُسأت استقبال الخدمة لك، وأحسن وأجامل غيرك.
أعتذر لم أكن لأساعدك في بعض أعمال المنزل، دون طلب منك. وعندما تطلبين أتعذر وأعتذر، وأفر منك؛ بحجة ما هو لا يغني عنك.
أعتذر لك، عندما مرضتِ تركتك؛ سعيا وراء ما لدي من مشاغل! فتواريتِ بلباس العافية؛ لتسدي كل ما عليك ولديك من مطالب لنا.
أعتذر لك على كم الشح والبخل الذى أورثني الغفلة، عن البوح بأي نوع من الثناء والشكر عما تقومي به، وكأنه حق مكتسب، وأطالب به في صورة مخجلة لطالب محتاج.
أعتذر لك يا ربة بيتنا، أعتذر عني، وعن إخوتي، فلكل منا عالمه الخاص، لكل مواعيده ومشاغله، هواياته وأصحابه، رغباته ومتطلباته.
لدى كل منا أجندة مواعيد، وحضور وانصراف وإجازات، وأنت يا أماه أين وقت راحتك، مكافأتك، أجازاتك،...
أين تظلمك أو اعتراضك، أو حتى تظاهرك للمطالبة بمستحقات الخدمة، والعمل لنا ومعنا؟
إن كان من الدين وفي الشرع أنه على الزوج أن يحضر لزوجته خادمة تقوم بأعمال المنزل له ولأولاده؟! فقيامك به فضل منك.
أعتذر لك على قدر منزلتك، ودرجتك في السماء والأرض.
أعتذر لك بحجم التقصير في حقك، والتفريط في تقدير وتقييم دورك داخل البيت وخارجه.
زوجي يعود من عمله، مثلما أعود أنا من وظيفتي خارج البيت.
هو يعود ليتناول طعامه، ويتغافل كيف ومتى تم إعداد هذا الطعام؟
ينزوى هو ليستريح، وأبدأ أنا مزاولة القيام بباقى تكاليف وظيفتي داخل بيتي.
ألم يأن أن تقدر وظيفة ربة البيت داخل مؤسسة الأسرة وخارجها!