قاربت بطاريةُ صبرُك على النفاذ، وبتَّ تتذمرُ من أي شيء، ولا تجدُ فائدة من كل ما تقومُ به؟!
أُصبت بالإنهاك، ونال التعبُ منك، وبتَّ ميتاً أكثر من حياً؟!
فقدتَ المتعة بالحياة ومغامراتها، وأصبحتَ شبيهاً بورقةٍ مبتلة، إنْ شددتَ عليها تمزقت؟!
وصلْتَ إلى درجة: أنك تريدُ اعتزالَ العالم، والتخلي عن كل أحلامكَ و طموحاتك؟!
ترى نفسكَ تسيرُ داخل دائرةٍ مغلقةٍ مقيتة، لا تجدُ منفذاً تستطيعُ أن تنفذَ من خلاله؟!
وجدتَ نفسكَ تُكررُ أعمالك، ولا ترى نتيجةً فعلية من شأنها أن تُغيّرَ حياتكْ، وتُحدِثُ ثورةً داخل مياهها الراكدة؟!
باتت أفكارُكَ مشوشةً، وكلُ أحلامكَ أصابها الشلل، فما عادت تواصلُ السيرَ إليك؟!
ترى النور؛ فتُجِدُ السيرَ ناحيته، فلا أنت تصل، ولا هو يثبُتُ في مكانه، تمُدُ يدكَ ممسكاً إياه، فلا تقبضُ إلا على فراغ؟!
تشعُرُ أنك تجري لاهثاً خلف سراب، يثيرُ استفزازك، وتشتمه ألف مرة، وتقعُ على ركبتيكَ بتنهيدةٍ لاذعة، ودموعٍ فارّة سائلاً نفسكَ: لماذا؟!
تسألُ نفسك جاداً: إن كنت تستطيع إيقاف الزمن وحركة البشرية؛ لتتمكن من التقاط أنفاسك وتستريح قليلاً من إنهاك الحياة، ثُمّ تفعلُ ذلك مجدداً؟!
اسمع عزيزي القارئ:
أنا وأنتَ والجميع نمُرُ بكل ما سبق، وربما نبوح للآخرين، وأحياناً أخرى نكتم ذلك في أعماقنا؛ لأن الحديث من شأنه إيلامنا، ولا شيء غيرَ ذلك.
لذا عليك ألاّ تجعل الدنيا تنالُ منك، وتطحنُك تروسها الدائرةِ بلا رحمة، اقترب روحيّاً من الآيات الكريمات، التي هي ملاذُنا جميعاً في مواقف شتى مشابهة.
قال تعالى في سورة يوسف(87): "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"
و قال تعالى في سورة ق(16): "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ".
و آياتٌ أخرى كُثُر، يواسينا فيها المولى عزّ وجل، ويطلُبُ منّا أن نؤمن يقيناً بأن أمورنا مقدرة من عنده؛ لذا علينا أن نثق بالله في السراء والضراء، ونُدرك الحكمة من كل ما يجرى معنا في قمة حياتنا، وقاعها وفق تسلسلية الحياة.
عزيزي: تحدث إلى الله وادعه، بُحْ إليه، لا تيأس ولا تقلق، وتوكل على الله، فهو المخرجُ من الضيق.
و أختم بأملٍ آخر، من وحي القرآن الكريم في قوله تعالى "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"سورة الشرح4،5.
هنا يطمئننا المولى عز وجل: بأن اليُسر رفيقٌ للعسر، لقوله "مع" وليس "بعد"، فالعسر الذي قد نحياه يرافقه ويلازمه يسرٌ مؤكدٌ، بتكرار الآية والتأكيد على التوكيد فيها "فإنّ" و"إنّ".