المجد أنت صانعه، والعلو أنت مرتاده، والريادة أنت رائدها.
لا تخش الأيام، ولا تلاحق إحباطات الآخرين لك، ولا تزر قبور أحلام الساقطين والمثبطين.
لا تنس أنك صانع نهايتك، ولا تنس أنك الضاحك أخيراً إن أنت ثابرت وجاهدت وكافحت.
لا تعد للوراء إلا للتقدم للأمام، ولا تنحنِ إلا انحناءة عزيمة ورقي، كانحنائك لله، فلاحظ معي أنه بعد السجود وقوفٌ واستقامة، ثم سجود بعده صلاة وشكر.
تدق الأيام أبواب حياتنا، وتفلُ هاربةً كأنها تخشى أن تلتقطها أيدينا، فتسقط أسيرة خططنا التي أعددناها مسبقاً لانتظارها، في وسيلةٍ منا لمحاصرتها و التحكم بها قدر الإمكان. و الأمور متروكة في المقام الأول لتقادير المولى عزّ وجل، فقد تُمسك بها إرادتنا وقد لا تُمسك بها .
ولا قلق ففي كلا الأمرين إرادة الله نافذة رغم إرادتنا المسيّرة، فكل ما علينا هو أن نعقلها ونتوكل لقوله صلى الله عليه وسلم "اعقلها وتوكل"(1) وفي هذا دعوة مباشرة لأن تكون خطواتنا مدروسة ومبرمجة، قبل البدء في المسير دون أن نغفل عن أن النهاية ليست مشروطة برضانا، بل بموافقة الله والرضا توفيق.
لقد قطعنا بالفعل شوطاً لا بأس به، خلال العام وصولاً إلى منتصفه، الذي فيه تقييم وتقويم لما خططنا لفعله ولما احتفظنا به في صندوق أحلامنا، الذي عاهدنا أنفسنا أن نفتحه نهاية العام لنرى الحصاد ونقطف الثمار.
حيث يشكل هذا المنتصف مراجعة وتعديلا للخطط، وفقاً للمستجدات، مع التنويه على أنه من المحتمل جداً أن ينتصف العام دون تحقيق المستوى المطلوب الذي يؤهلنا لتحقيق أحلامنا؛ لذا دعنا نعتبر تلك الفترة مرحلة دراسة نُتْبعها بتعبٍ أكبر وجهدٍ أعظم، فإن كان الطريق قد انتصف، فهذا لا يعني نهاية المسير، فما زال ذات المقدار أمامنا وعلينا السير جادين فيه لنقطف الثمار وكلنا فرحة وعزيمة، بأن نُكمل مسيرة أخرى وأهداف أكثر محققة.
وعلينا أن ندرك جادين: أنه لا يجب علينا الجري اللاهث، بل الوصول الواثق، وذلك بتحديد وجهتنا المعد لها مسبقاً لقوله تعالى: " وَأَعِدُّوا"سورة الأنفال.ولا ننس أنه من المهم أن نتحلى بالصبر، بل ونتلذذ في عذابه لإدراكنا بكرم الله لنا في النهاية.
انتصاف العام مع تعثر خطتنا، لا يعني بالضرورة هزيمتنا التي فيها موت لطموحنا وآمالنا، بل يعني أننا نسير و نحاول فلا نجاح دون عثرات، و لا وصول دون مد و جزر.
دعنا نضع نهاية العام نصب أعيينا، ونرسم لأنفسنا حفلاً نُكّرم به ذاتنا بعد الوصول، وبعد تعديل ما كان للأفضل ولنتذكر سوية: أن الوصول يجب أنه يتبعه وصول آخر. والأحلام تتوالد و تتكاثر، والقمة الواحدة يتبعها قمم، فليكن نَفَسُنا طويل ولنراجع خططنا أولاً بأول، ولا نجعل اليأس يسيطر علينا، ويأكل من عزيمتنا كما يأكل السوس الأشجار فتهترئ فتذبل وتموت.
نحن المحبرة ونحن الحبر في الوقت ذاته، كلما انتقص الحبر داخلنا، علينا أن نشحنه من جديد، ولنأخذ من الماضي العبر؛ لنسلك من خلالها للقادم، ونصنع الأفضل، ونصل لما نريد بتوفيق الله ـ تعالى ـ.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1)رواه الترمذي في سننه، ونقل عن العلماء تضعيفه، وضعفه المحدثون أيضا، ولكن على الرغم من أن في الحديث مقالا، ولكن معناه صحيح لأنه قد ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث على الأخذ - بالأسباب مع التوكل على الله.