السلطان إبراهيم الأوَّل بن السلطان أحمد الأوَّل، السلطان الثامن عشر في سلسلة سلاطين الدولة العثمانيَّة، دام في السلطنة ثماني سنوات وتسعة أشهر، وفي عهده فُتحت جزيرة كريت.

نسب السلطان إبراهيم

هو السلطان العثماني إبراهيم الأوَّل بن أحمد الأوَّل بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأوَّل بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأوَّل جلبي بن بايزيد الأوَّل بن مراد الأوَّل بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.

أحوال الدولة قبل خلافة السلطان إبراهيم

عندما تُوفِّي والده السلطان أحمد الأوَّل (ت 1026هـ=1617م) رحمه الله -وكان في غاية التقوى، وكان رجلًا مثابرًا في الطاعات، ويُباشر أمور الدولة بنفسه- تولَّى الخلافة من بعده بعض السلاطين الضعاف، منهم:

السلطان مصطفى الأوَّل

تولَّى السلطة بعد وفاة أخيه، ومنذ عهده يظهر جليًّا أن يدًا أجنبيَّةً كانت خلف تعيين وإزاحة الخلفاء، فهذا السلطان عُزِل بعد ثلاثة أشهر، وجيء بأبن أخيه (عثمان الثاني) الذي لم يزد عمره على الثالثة عشر.

السلطان عثمان الثاني (1026-1031هـ= 1617-1621م)

تولَّى الحكم بعد عزل عمِّه مصطفى الأوَّل، وكان صغيرًا لم يزد عمره على الثالثة عشرة، وأعلن الجهاد على بولونيا لتدخُّلها في شئون إمارة البغدان، وتمَّ الصلح بين الطرفين عام (1029هـ=1620م) بناءً على طلب بولونيا وطلب الإنكشاريَّة، الذين تعبوا من مواصلة القتال، فغضب الخليفة عليهم من طلبهم الراحة وخلودهم إلى الكسل وإلزامه على الصلح مع بولونيا، فعزم على التخلُّص من هذه الفئة الباغية، ولأجل الاستعداد لتنفيذ هذا الأمر الخَطِر أمر بحشد جيوشٍ جديدةٍ في ولايات آسيا، واهتمَّ بتدريبها وتنظيمها، وشرع فعلًا في تنفيذ هدفه، وعلمت الإنكشاريَّة بذلك فهاجوا وماجوا وتذمَّروا، واتَّفقوا على عزل السلطان، وتمَّ لهم ذلك في (9 رجب سنة 1031هـ= 20 مايو سنة 1622م)، وأعادوا مكانة السلطان مصطفى، وقتلوا السلطان عثمان الثاني، وترك لنا بعض الأشعار منها:

كَانَتْ نِيَّتِي الْخِدْمَةَ لِحُكُومَتِي وَدَوْلَتِي *** وَلِلْعَجَبِ إِنَّ الَحَسُودَ يَعْمَلُ لِنَكْبَتِي

السلطان مصطفى الأول للمرة الثانية

تولَّى السلطان مصطفى الحكم وللمرَّة الثانية إثر فتنة الإنكشاريَّة، وصارت الحكومة ألعوبةً بأيديهم؛ ينصبون الوزراء ويعزلونهم بحسب أهوائهم، وأصبحت المناصب تُباع جهارًا، وارتكبوا أنواع المظالم، وتغيَّر الوزراء الصدور في مدَّته هذه سبع مرَّات خلال عامٍ واحدٍ وأربعة شهور، وكان الخلاف قد دبَّ بين أمراء الأناضول وفرقة السباهيَّة على استمرار الوزراء الصدور، حتى إنَّ بعضهم لم يُكمِل شهرًا واحدًا، ونظرًا إلى ضعف السلطان وعجزه عن إدارة شئون البلاد، عُزِلَ ونُصِّبَ الأمير مراد الرَّابع ابن السلطان أحمد الأوَّل.

السلطان مراد الرابع (1032-1049هـ= 1622-1639م)

وكان مراد الرَّابع، وهو أخو عثمان الثاني، ولصغر سنِّه فقد سيطر الإنكشاريَّة عليه، وكانت أحوال الدولة سيِّئة للغاية، فقام بإصلاح الأحوال الداخليَّة أوَّلًا حتى تسنَّى له التفرُّغ للأحوال الخارجيَّة، وأسَّس تشيكلات قويَّة للمخابرات، وثبت من خلالها أسماء جميع المستبدِّين في الدولة، واندلعت الحرب مع الشيعة الصفويَّة في العراق عام (1044هـ=1634م)، فقاد السلطان مراد الجيوش بنفسه واتَّجه إلى بغداد، وكان عبَّاس شاه فارس قد استولى عليها وقتل واليها العثماني، وأذلَّ أهل السُّنَّة بها وعمل بهم الأفاعيل، فحاصر مراد بغداد وهدم جزءًا كبيرًا من أسوارها بالمدفعيَّة، ودخلها عام 1048هـ، وقتل من جنود الشيعة عشرين ألفًا، ثم أقام بها مدَّةً جدَّد عمارتها، وأصلح ما تهدَّم من أسوارها، وعيَّن لها وزيرًا.

وكان هذا السلطان يُباشر الحروب بنفسه، ويُخالط جنوده، وينام أحيانًا في الغزوات على حصانه، وتُوفِّي رحمه الله في (16 شوال سنة 1049هـ= 8 فبراير 1640م) بسبب مرض النقرس، وامتدَّ حكمه ست عشرة سنة وأحد عشر شهرًا، وكان قد استلم الخزينة عند ارتقائه العرش فارغةً وتركها مملؤةً عند وفاته، لقد كان هذا السلطان عاقلًا شجاعًا ثاقب الرأي، استأصل الفساد وقمع العصاة، ولُقِّب بمؤسِّس الدولة الثاني؛ لأنَّه أحياها بعد السقوط، وأصلح حال ماليَّتها.

السلطان إبراهيم الأول بن أحمد الأول (1049-1058هـ= 1639-1648م)

تولَّى الحكم بعد أخيه مراد الذي لم يعقب ذكورًا، ولم يبقَ بعد موت السلطان مراد الرَّابع من نسل آل عثمان سوى أخيه السلطان إبراهيم، الذي كان مسجونًا مدَّة سلطنة أخيه.

ولمـَّا تُوفِّي أخوه أسرع كبار المملكة إلى مكان الحبس ليُخبروه بذلك، فعندما قدموا ظنَّ أنَّهم قادمون لقتله، فخاف وذعر ولم يُصدِّق ما قالوه له، ولذلك لم يفتح لهم باب السجن، فكسروه ودخلوا عليه يُهنِّئونه، فظنَّ أنَّهم يحتالون عليه للاطِّلاع على ضميره، فرفض قبول الملك بقوله: إنَّه يفضل الوحدة التي هو بها على ملك الدنيا، ولمـَّا أن عجزوا عن إقناعه، حضرت إليه والدته وأحضرت له جثَّة أخيه دليلًا على وفاته.

وحين ذلك جلس على سرير السلطنة، ثم أمر بدفن جثَّة أخيه باحتفالٍ وافر، وساق أمامها ثلاثة أفراسٍ من جياد الخيل التي كان يركبها في حرب بغداد، ثم مضى إلى جامع أيُّوب الأنصاري، وهناك قلَّدوه بالسيف، ونادوا له بالخلافة.

كان يقول عند ارتقائه العرش: "الحمد لله، اللهمَّ جعلت عبدًا ضعيفًا مثلي لائقًا لهذا المقام، اللهم أصلح وأحسن حال شعبي مدَّة حكمي، واجعلنا راضين بعضًا عن بعض".

ولقد دافع عنه صاحب كتاب السلاطين العثمانيُّون وقال: إنَّ الافتراءات الكاذبة التي قيلت في حقِّه، أكاذيبُ مختلفة من قِبَل الذين أرادوا عزله ثُمَّ قتلوه بعد ذلك.

الأحوال الداخلية

كانت الأحوال الداخليَّة شبه مستقرَّة بسبب إصلاحات أخيه نحو الإنكشاريَّة، وتجديد الجيش، فاتَّجه إلى الاقتصاد في نفقات الجيش والأسطول، وإصلاح النقد، وإقامة النظام الضرائبي على أسسٍ جديدة.

واستطاع الصدر الأعظم "قرَّة مصطفى باشا" أن يُوقف تدخُّل النساء في شئون السلطنة، وتمكَّن من القضاء على محاولات رجال البلاط السلطاني لإفساد الدولة، وقضى على العابثين والمفسدين وقاطعي الطريق في مختلف الولايات.

الحرب ضدَّ البنادقة وفتح كريت

كانت جمهوريَّة البندقيَّة تُهيمن على جزيرة كريت وعلى الحركة التجاريَّة في بحر إيجة، مستغلِّين الصلح مع الدولة العثمانيَّة، فعزم العثمانيُّون على تدمير نفوذ البنادقة في الشرق، فجُهِّزت الجيوش والأسطول، وأُعلنت الحرب على البنادقة، واعتقل جميع البنادقة في طول البلاد وعرضها، وأمر بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم، ثم سيَّر حملةً إلى جزيرة كريت عام (1055هـ=1645م) واستولت على أجزاء منها.

مقتل السلطان إبراهيم

ولكنَّ الجنود تمرَّدوا في إستانبول وأهاجوا وماجوا، وقرَّروا عزل السلطان إبراهيم، وتولية ابنه محمد الرَّابع الذي لم يتم السابعة من عمره، وقُتِلَ السلطان إبراهيم، وقد امتدَّ حكمه ثماني سنين وتسعة شهور، وكان عمره 34 سنة.

قصة الإسلام