لا أعتقد أن الكثيرين منكم لديه البال والمزاج الرائق للدرجة التى تجعله يتعمّق في قراءة كتب الفلسفة، إلا لو كان باحثاً في مجال الفلسفة أصلاً..
الفلسفة يمكن تلخيصها بالنسبة لمُعظمنا أنها مجموعة من غرباء الاطوار يتحدثون في أشياء بديهية بجدية شديدة، ويطرحون أسئلة عجيبة من نوع:
لماذا نأكل البطيخ؟ هل البطيخ موجود بالفعل أم أننا نتخيّل وجوده لأن حواسّنا هي التى أوجدته؟ هل البطيخ من الداخل لونه أحمر أم أننا نعتقد ذلك؟
جدل في جدل لا يُفضي إلى شيء، سوى أن يجعلك تضرب كفاً بكف، شاكراً الله على نعمة أنك تأكل البطيخ مباشرة دون أن تهتم إذا كان موجوداً بالفعل أم انك تتخيل وجوده، كما يفعل بعض المجانين في هذه الحياة..
ولأن الموضوع مُعقد، وربما لا يرد في ذهنك إطلاقاً قراءة موضوعات فلسفية تجعلك تشعر بالضياع وعدم الفهم.. دور أراجيك أن تجعلك تُحط علماً بشكل عام بأهم المبادئ الفلسفية، بشكل سريع ومبسط في مقال واحد!
لدينا هنا مجموعة من أغرب الفلاسفة – وأشهرهم أيضاً -، وضعوا مبادئاً لا يُمكن وصفها إلا أنها كانت غريبة بالفعل!
المَعلّم سُقراط
ليس أول الفلاسفة ولا أعظمهم.. ولكن أشهرهم على الإطلاق.. يرى الفلسفة علماً رجولياً، وأن النساء دورهم الأساسي في الحياة هو منع الرجال من ممارسة الفلسفة..
الرجل كان متزوّجاً من إمرأة قاسية سليطة اللسان، صاحبة القصة الشهيرة معه عندما كان يجلس بين تلاميذه، وهي لا تتوقف عن سبّه والصراخ فيه، حتى جاءت اللحظة التى ألقت عليه الماء من الشرفة ليسقط على رأسه.. بهدوء أخرج منديلاً يمسح الماء من وجهه، ثم التفت لتلاميذه مُبتسماً، قائلاً عبارته الخالدة:
إن المطر ينهمر دائماً بعد الرعد!
# فلسفة سقرط يمكن تلخيصها هي أن الناس عليهم أن يفكروا دائماً وأبداً ولا يقبلوا بالمُسلّمات إطلاقاً
# السُقراطيون يعتنقون الفلسفة الساخرة، حتى سمّيت ( السخرية السقراطية ) التى كانت تفضح دائماً زيف الآخرين..
يقول سقراط عن الزواج:
تزوّج.. لو كانت إمرأتك صالحة لصرت رجلاً سعيداً.. ولو كانت شريرة لصرت فيلسوفاً مثلي!
السقراطية غير مهتمة بتفسير مواضيع الفلسفة المجردة، مثل كيفية نشوء الكون وخامته الأصلية، إلخ.. وتعتبر أنه لا حلول لمثل هذه الموضوعات.. فقط تركز على المفاهيم المعنوية: فهم العدل، الصدق، السعادة، إلخ..
كان سقراط ينهى تلاميذه عن تناول اللحوم.. ومع ذلك، عندما تمّ إعدامه – كمُعظم الفلاسفة – كانت وصيّته لأتباعه أنهم سيجدون عنده ديكاً في المنزل، يرجوهم لإعادته لصاحبه!
حُب أفلاطوني!
تلميذ سُقراط.. انشأ مدرسته الفلسفية الخاصة، يرى أن المرأة شر مُستطير، يمقت النساء كالموت..
# فلسفة أفلاطون تعتمد على الرياضيات بشكل مُدهش، خصوصاً علم الهندسة..
يقول أفلاطون:
لن يتحسن المُجتمع – أي مجتمع – مالم يحصل الفلاسفة على سلطة سياسية.. او يتحوّل الساسة إلى فلاسفة! وقتئذ تعم الحكمة ويرتفع الظلم..
# فلسفة أفلاطون عجيبة بعض الشيء، قائمة على عقيدة الأشكال.. ما تراه حولك ليس موجوداً أصلاً، بل هو إنعكاس ( ظلال ) لموجودات أخرى في عالم المثاليات.. أي أن الحائط الذي أمامك الآن ليس موجوداً، هو فقط إنعكاس لحائط موجود في عالم آخر أفضل..
# يرى أن المرء لا يرتكب جريمة عامداً أبداً، وأن خطايانا ليست بإختيارنا.. وأن المُخطئ يجب أن يُطهّر نفسه بالفسلفة والرياضيات، وإلا سيعود إلى الحياة على شكل ( حيوان ) بعد أن يموت..
فتاوى أرسطوطاليز!
أرسطو.. أو أرسطوطاليس.. أو أرسطوطاليز.. بغض النظر عن طريقة نُطق اسمه، المهم أننا هنا بصدد واحد من أهم الفلاسفة على الإطلاق..
# لم يكن يكره المرأة مثل سقراط وأفلاطون..
# ارسطو تكلّم فى كل شيء تقريباً، في العلوم والفلك والطب والدين، وظلت آراؤه مسيطرة جداً على أوروبا بأسرها لفترة طويلة للغاية كأنها تعاليم مُقدّسة، خصوصاً أنه كان ملك ( التنظير ) بلا مُبالغة.. يضع القواعد والقوانين العلمية وهو يجلس في مكانه بلا أي تجريب أو ممارسة:
الشمس تدور حول الأرض.. الرؤية تأتي من خروج الضوء من العين للموجودات.. عدد أسنان المرأة أقل من الرجل.. الشرايين لا تنقل الدماء، بل تنقل الهواء..
وهكذا، يُصدر أحكامه العلمية بأريحية كاملة بدون أي تجريب أو دراسة على الإطلاق..
لذلك، استلزم الامر مئات السنين للخلاص من نظرياته المُقدسة في أوروبا، بقدوم علماء عباقرة، وإندلاع الثورة ( الكوبرنيكوسية ) التى قالت أن الشمس هي المركز، والكواكب تدور من حولها.. فضلاً عن استلهام العلوم العربية التجريبية ( ابن سينا – ابن النفيس – إلخ ) التى حطّمت تنظيرات أرسطو العلمية الغريبة!
# مؤسس علم المنطق.. يقول أن مقدمتان منطقيتان تقود حتماً إلى نتيجة.. وهو كلام مهم جداً كما ترى!
# يرى أن كل شيء يتغير فى العالم.. إلا ( العقل الإنساني ) و ( المُثل ).. وأن الموت هو أن تدور الروح السامية بالإرادة الإلهية بين النجوم في قلب المجرة للأبد..
ملحوظة:
الإسكندر الأكبر كان تلميذاً من تلاميذ أرسطو المُقربين منذ صغره..
السُفسطَائيون.. في حب البراغيث!
السفسطة Sophism هي كلمة أصلاً معناها ( المهارة ).. المهارة في تحويل الفلسفة إلى استعراض عضلات عقلي.. إثبات النفي، ونفي الإثبات بحجج عقلية مُقنعة!
مثال عملي حقيقي عن إحدى محاورات السوفسطائيين، في مدح البراغيث:
البرغوث كائن مفيد، لأنه يزيل الدم الزائد من الجسم ويرغمك على الاستحمام وبفضله يضطر الناس لتغيير ملابسهم، وبالتالي نشأ مُصطلح نظافة..
طيب لو لم توجد براغيث، لما وُجد مُصطلح ( قذارة ).. ولو لم تكن هناك قذارة، لما صارت هناك ضرورة للنظافة أصلاً!
وبالتالي، البراغيث لا أهمية لها أصلاً، ومن دونها الحياة أفضل! فلولا المرض ما وُجد العلاج.. إذن لماذا وُجد المرض أصلاً؟!
انت طبعاً عرفت الآن لماذا يُقال عن المُنظّر الذي يقول كلاماً متشابك ملتوي غير مفهوم، أنه: سُفسطائي!
الأبيقورية.. الشهوانية بلا حدود!
الأبيقورية هي مدرسة فلسفية أيضاً تقول أن الهدف الوحيد للحياة هو الحصول على أكبر قدر من اللذة.. كل شهوة لدى الإنسان يجب أن تُطاع ولا تقاوم.. الغرق في اللذة حتى الاكتفاء، ومن ثمّ التعلم بأن السعادة هي الحركة الهادئة المُنتظمة، وعدم وجود ألم..
طبعاً هي فلسفة لا تعنينا هنا سوى تعريفها من باب العلم بالشيء!
الروّاقيون
الرواقيون أو ( المشّاؤون ) Stoics هم سادة المشي.. مجموعة من الفلاسفة اليونانيين القدامى، تتلمذوا بالأساس على يد الفيلسوف ( زينو )، ومارسوا كل فلسفتهم أثناء المشي فى الأروقة! مجموعة من الفلاسفة يتمشون ذهاباً وإياباً، ولا يكفون عن الكلام عن نظرياتهم في الحياة والوجود أثناء المشي!
فلسفة الرواقيين أو المشّائين تدور حول أن ( اللامبالاة هي الحل ).. لا ألم، ولا فرحة، ولا رغبة.. فقط كل ما عليك ان تفعله ان تعيش غير مبالٍ بأي شيء على الإطلاق..
إلا المشي فيما يبدو!
الفيثاغورثيون
حدّث ولا حرج.. تتذكر طبعاً نظرية فيثاغورث الرياضية، بأن مربّع الوتر في المثلث تساوي مجموع مربّع الوترين الآخرين.. أنت تذكر هذا الهراء حتماً، ستجده فى عقلك الباطن من أيام الدراسة الإبتدائية..
الفيثاغورثيون كوّنوا فلسفة خاصة عن الكون أنه مزيج بين الرياضيات والموسيقى والهندسة.. حركة الكون تتم بنفس القواعد الموسيقية، والأرقام هي مكمن الأسرار لكل شيء فى الوجود، خصوصاً الرقم عشرة..
السبيل الوحيد لتطهير النفس لدى الفيثاغورثيين هو الرياضيات والموسيقى، والإمتناع عن أكل اللحوم وترك الشهوات جميعاً، حتى الحلال منها..
فلنعش مثل الكلاب!
الكلبيون ( Cynics ).. هم مجموعة من الفلاسفة يرون أن حياة الكلب هي المثل الأعلى! التسوّل والزحف.. الكلبية هي الكمال.. لا أكل جاهز، لا ثروة، لا زواج بنية تأسيس أسرة.. الكلب سعيد وراض بحاله جداً في ظل هذه الظروف، لذلك يجب أن يتبع الانسان هذه الخطوات ليصل إلى السمو!
الفيلسوف اليوناني ( ديوجين ) هو النموذج الأصدق لهذا المنهج، عاش حياته كلها تقريباً يرتدي مايُشبه البرميل الخشبي بدلاً من الملابس الآدمية، تبرز يداه وقدماه من ثقوب البرميل.. ويعظ الناس بالوصول إلى السمو الذي يمكّنهم من الحياة مثل الكلاب!
هكذا تحدّث زرادشت!
نيتشيه.. قيل عنه أنه لم يؤثر أحد الفلاسفة على البشرية كلها، كما أثّر فيها هذا الرجل، بكتابه ذائع الصيت والشهرة ( هكذا تحدث زرادشت )..
زرادشت هو أحد حُكماء الفرس القدامى، قال على لسانه ( نيتشيه ) كل ما يريده وما يراه في فلسفته، رغم أن الرجل – زرادشت – برئ من مُعظم ما جاء فى الكتاب..
نيتشيه ببساطة شديدة يدعو لفلسفة قاسية يُمكن القول بأنها الطريق الأقصر لخراب العالم.. قائمة كلها على التخلص من الضعف البشري.. لا رحمة.. القوة هي الأساس.. والأقوياء يجب أن يُمارسوا قوتهم لأن هذا حقهم الطبيعي.. البقاء للأقوى، والضعفاء ليس لهم مكان.. وستقوم الطبيعة بضمان حق الأقوياء فى البقاء جيلاً بعد جيل، حتى نصل إلى الكائن الأفضل: السوبر مان!
إذا ما نزلت بك مظلمة فقابلها بمثلها، وأضف إليها خمس مظالم صغيرة.. لئن ينتقم الإنسان فهذا أقرب للخير.. ليس من الإنسانية ان يترفّع مظلوم عن الإنتقام!
ويبشّر من لا يتّبع هذه الفلسفة:
فلتحل اللعنة على من لا يتقبّلون فلسفتي.. أما من يقدرونها حق قدرها، فقد كُتب عليهم ان يكونوا سادة العالم!
أما بخصوص نظرته للمرأة، فهو مُجامل رقيق جداً:
المرأة ما هي إلا وعاء للحمل، يترعرع فيه الجنس الأسمى.. السوبر مان..إن قلب الرجل هو مكمن القسوة، أما قلب المرأة فهو مكمن كل الشرور!! فيما عدا هذا لا قيمة لها.. نصيحتي للناس: إذا ذهبتَ إلى المرأة، فلا تنس السوط!
المُضحك أن نيتشيه نفسه كان نحيل الجسد مليء بالامراض، وقضى حياته كلها مُعتل الصحة.. أي أنه نموذج للضعف البشري! من المثير تخيل كيف كان سيعيش حياته فى مجتمع يُطبّق فلسفته المُنحازة للأقوياء، والمُحتقرة للضعفاء!
من طبّق هذه الفلسفة فى التاريخ؟ ادولف هتلر طبعاً كان من عُشاق نيتشيه، وطبّق فلسفته حرفياً.. مما أدى إلى مقتل 60 مليون إنسان في حرب هائلة لم تعرف الدنيا مثلها حتى اليوم!
شوبنهاور.. الموت ذلك أفضل جداً!
الرجل كان غريباً جداً مثل صورته.. شديد الفظاظة سيء الخلق إلى أقصى درجة.. مُتخوّف من المرض – أي مرض – بشكل مُدهش.. حتى انه كان يشرب من قربة ماء مدبوغة بالجلد، ويدخن من خلال غليون طوله ( متر ونصف ) حتى لا يرتد الدخان على وجهه فيُصاب بسرطان الرئة!
وكان يكره أمه بجنون – حتى بعد وفاتها – لذلك كانت المُحصلة فلسفة كئيبة قاسية إمتداد لفلسفة نيتشيه.. فلسفة شوبنهاور هو الإنكار.. الحياة شر خالص ويجب أن تنتهى.. الوحدة أهم شيء فى الحياة..
لو كنت ملكاً لكان أول أمر أصدره إلى رعاياي: دعوني وحيداً!
طرح شوبنهاور كتاباً باسم ( العالم إرادة ورأي )، لم يبع وقتئذ الا بضع نسخ.. لأن مقدمة الكتاب كانت تحمل ما يعتبر إهانة مُباشرة للقارئ:
كل من أتمّ عملاً عظيماً لا يهمه عدم إقبال الجماهير عليه، كما لا يُضير العاقل تهجّم المجانين عليه في مستشفى المجاذيب!
يقول شوبنهاور عن المرأة:
الخدعة الكبرى في حياتنا هي المرأة.. تتزود لسنوات بالجمال والسحر حتى يتزوجها الرجال، وتنجب أطفالاً أجمل.. بهذه الكيفية تستمر إرادة الحياة إلى الأبد ولا تتوقف.. هكذا نقع نحن فى فخ الطبيعة غافلين..لا اعرف كيف يمكن للرجل ان يحب هذه الكائنات ضيقة الكتفين ضئيلة الحجم قصيرة الساقين!
هو يفكر.. إذاً هو موجود!
ديكارت.. من الذي لا يعرف ديكارت؟ كان يشك في كل شيء حتى وجوده نفسه، حتى وصل إلى القاعدة الفلسفية الشهيرة أنه طالما يُفكر، إذاً فهذا بُرهان على وجوده.. وبالتالى يُمكنه أن يُبرهن على وجود أي شيء في العالم..
على أي حال، الرجل مهم جداً في التاريخ الأوروبي الحديث، ووضع بطريقته هذه أسس البحث العلمي والطريقة العلمية فى الاستدلال..
ملحوظات:
# كل من تمّ ذكرهم فلاسفة عظماء، أفنوا حياتهم فى البحث والعمل الفكري، حتى لو أثاروا دهشتنا – وربما استهجاننا وغضبنا – لكن بكل الاحوال عرفنا على الأقل الملامح العامة لفلسفاتهم..
# الفلسفة الإسلامية والبوذية والكونفشيوسية أعقد بكثير من أن يتم التطرّق إليها فى مقال سريع.. كل ما تم ذكره هم فلاسفة غربيين قدماء ومحدثين ومعاصرين..
# هناك الآلاف من الفلاسفة الآخرين مناهجهم الفكرية والبحثية عميقة وذات استدلالات أكثر تعقيداً مما تم ذكره بالأعلى!
# غرض المقال الرئيسي هو أن يمدّك بفكرة عامة مختصرة جداً سريعة جداً حول فلاسفة نسمع أسماؤهم كثيراً، وليس لدينا الوقت ولا المزاج الرائق للقراءة عنهم بشكل مُدقق.. أرجو أن أكون قد وُفّقت في ذلك.. من في هذا الزمن سيهتم بقراءة كتاب ( الجمهورية ) لأفلاطون، مالم يكن باحثاً فى مجال الفلسفة أصلاً!
أخيراً.. يبدو أن المرأة – كما رأينا – تسبب أزمة حقيقية لمجموعة من أهم الفلاسفة القدماء والمعاصرين.. العديد من أشهر الفلاسفة كانت لديهم آراء متطرفة ضد المرأة، رغم إنفتاحهم على الحياة في جوانب أخرى.. ما المشكلة بالضبط؟ هل من بين القرّاء من درسوا الفلسفة بعمق، يمكنهم أن يشرحوا لنا بشكل عام سبب هذه المُشكلة؟