لمتتبع للأخبار والمنصف يلاحظ أن إبراهيم كان مسير إلى الموت لا مخيّر، وخياراته محدوة.
حيث بالأمس قد قتل من قادات الأمويين وهزم جيشهم في الموصل، وبدون أدنى شك لو ظفر به الأمويون لقتلوه وقتلوا أنصاره وهذا واضح وجليّ لكلّ من ييتبع سيرة الأمويين مع أعدائهم.
الخيار الثاني أمام إبراهيم هو بني الزبير، والمنصف المتتيع يعرف أن بني الزبير لو ظفروا بإبراهيم وشيعته لقتلوهم كما قتلوا بالأمس المختار وشيعته، ولكن هناك التفوق الكبير ما بين بني أميّة وبني الزبير وهو القوة العسكرية والمادية والعددية وغيرها، حيث أن بني أميّة أقوى بكثير من بني الزبير وإبراهيم ليس لديه خيار التفاوض مع بني أميّة، فأمّا الاستسلام لهم والقتل، أو قتالهم، واحتمال النصر ضعيف، ولو انتصر فمن المؤكد سوف يستطيع أن يفرض شروطه على بني الزبير، ومن المؤكد أنّ بني الزبير سوف يهابوه ويعطوه ما يريد.
وهناك مقولة: ((عدو عدوي صديقي))، فالمشترك ما بين بني الزبير وإبراهيم هو العداء لبني أميّة، ولو تحالف إبراهيم مع بني الزبير سوف يحصل على بعض المساعدات المادية التي يحتاجها لقنال الأمويين، ولو انتصر إبراهيم في معركته لقدر على الأقل توفير حماية للشيعية من بطش الزبيريين، وغدر بني الزبير المعهود سوف يعطي الشرعية لإبطال أي عهد مع بني الزبير كالذي حصل في الحديبية.
أمّا الخيار الآخر أمام إبراهيم فهو عدم التفاوض مع أي طرف والقتال من الأمام مع بني أميّة ومن الخلف مع بني الزبير، ومن المؤكد احتمال أنّ بني الزبير كانوا يتوددون إلى بني أميّة بالغدر بإبراهيم، وهذا هو الحجيم بأم عينه والقاء بالنفس إلى الهاوية.
ومن هنا يتضح أن سلوك إبراهيم سلوك العقلاء، وسلوك شرعي، لأنّ ظاهر بني الزبير الإسلام وإن كانوا منافقين وغداريين، لكن ظاهرهم الإسلام، ولهذا كلّ منصف وعاقل لعرف أن خيار إبراهيم كان الأمثل.
محمد حسين / العراق
تعقيب على الجواب (3)
إن الأجواء في زمن المختار وأبن الأشتر بعد استيلاء أبناء الزبير على الكوفة والبصرة لم تكن تسمح بالاعتزال لأن النفوذ في البلدان قد تقاسمه الأمويون مع الزبييرون فلن تجد مدينة في الجزيرة أو العراق أو الشام إلا وهي تحت نفوذ إحدى الجهتين, فلا خيار لأخذ بالاعتزال, فالمختار ( وقوته لا تقاس بقوة الزبيريون بعده ) لم يستطع أحد من قتلة الحسين (عليه السلام) أن يفلت منه لا في الموصل ولا في المدائن فضلا عن الكوفة وما تحتها فكيف سيعتزل ابن الاشتر ومن معه من الجند وأين وكان لابد من القتال, وقتال إحدى القوتين إنما هو الانتحار بعينه, فلا يبقى مجالا إلا الإنضمام إلى إحدى الجهتين لقتال الأخرى, وأبناء الزبير على ما فيهم من خسة وغدر لم يكونوا شاركوا في قتل الحسين (عليه السلام) وكانوا في موقع المعارضة للحكم الرئيسي وهو حكم بني أمية إذ أن أبن الزبير لم يبايع ليزيد فكان طرفهم أهون الشرين استعان بهم لحرب الأمويين, ولا يخطر ببال ابن الاشتر أن يفي له أولاد الزبير بعهدهم بأي ملك أو ولاية لما عرفه من غدرهم .