في سبيل استيعاب مراحل تطور الكون الزمني، دائما ما تثير قضية عمر الكون شغف العلماء واهتمامهم، إذ ينبغي بداية تقييم الأحقاب الزمنية الهائلة التي ينطوي عليها. ويبدأ الأمر من الجيولوجيا، فلمعرفة عمر صخرة ما، تأتي على رأس القائمة طريقة فريدة: وهي قياس الزمن الذي انقضى منذ اللحظة التي احتبس بداخلها عنصر ذو نشاط إشعاعي. ويلائم اليورانيوم - 238 ذلك الغرض بصفة خاصة، إذ إنه يتحلل متحولًا إلى الرصاص 206 خلال نصف عمر قدره 4.5 بليون سنة. ونصف هذا العمر هو الوقت اللازم كي يتحلل نصف كتلة المادة ذات النشاط الإشعاعي. وبعد مرور ضِعف نصف العمر، لا يتبقى سوى رُبع مقدار المادة، وبعد مرور ضِعفي نصف العمر يتبقى ثُمنها.. وهكذا، وهو ما يُطلق عليه الاضمحلال أو الانحلال بمعدّل أسي.
والنسبة ما بين اليورانيوم 238 والرصاص 206 الموجودين في صخرة ما، هي مقياس مباشر للعمر الذي انقضى منذ تجمدها. فعندما تتجمد الصخرة فإن الساعة التوقيتية للنشاط الإشعاعي يعاد مؤشرها إلى الصفر، إذ ما من رصاص بها حينذاك. ومعدل اضمحلال المادة المشعة ثابت بدرجة استثنائية، وما من شيء على المدى القصير يمكنه أن يؤثر فيه. وينبع ذلك من حقيقة أن تفاعلات النشاط الإشعاعي تلزمها طاقات أعلى بكثير من تلك اللازمة للتفاعلات الكيميائية.
ويصل عمر أقدم صخور الأرض إلى 3.8 بليون سنة، وقد جلب ملاحو «ناسا» معهم صخورًا قمرية يبلغ عمر أقدمها 4.1 بليون عام، وأغلب الأجرام الغنية بالكربون والوافدة إلينا من حزام الكويكبات التي تسبح بين مداري كوكبي المريخ والمشتري، لها جميعها العمر نفسه، مع هامش فرق قدره عُشر بليون سنة، وتلك هي أكثر الأحجار النيزكية بدائية وفقًا لما هو معروف لنا.
ولابد أن نسبة وفرة كل العناصر ذات النشاط الإشعاعي كانت في الأصل هي نفسها على الأرض، والقمر، والأحجار النيزكية، فجميعها تعود إلى المصدر نفسه، ونسب وفرتها المتبقية تستوجب أن يكون تفرعها عن هذا الأصل المادي المشترك قد وقع منذ 4.56 بليون سنة، وهو المؤشر الذي اتخذ لعمر المنظومة الشمسية. ويتوافق ذلك جيدًا مع عمر الشمس، الذي يتراوح ما بين 4.5 و5 بلايين سنة، والذي ليس بمقدورنا تحديده بدرجة أكثر دقة، إذ إن ذلك يعتمد على التكوين الداخلي للشمس وعلى التغير في درجة سطوعها مع تقدمها في العمر.
وحيث إن كل المواد المشعّة تضمحل، وإن كان جزء منها يتبقى رغم ذلك، فلا يمكن أن تكون قد تواجدت منذ الأبد، بل لابد أن تكون قد خلقت في تاريخ ما، يمكن تقديره من النسبة بين درجة وفرتها إلى درجة وفرة منتجات تحللها في المجرة بأسرها. ويعتمد تقدير الفترة الزمنية - وإن يكن بدقة أقل - على النظائر المستعملة، إذ يتراوح متوسط أعمارها ما بين 7 و11 بليون عام. ويتوافق ذلك بصورة تقريبية مع الأعمار التي قُدرت للنجوم في قرص مجرتنا. ومن ناحية أخرى تحف بهذه المجرة هالة من العناقيد الكروية التي يتجاوز عمر نجومها، عمر نجوم قرص المجرة ذاته. وتضم الهالة ما بين مائة ألف ومليون نجم، تتكدس بالقرب من بعضها. ويستدعي هذا التوزيع الفضائي الضيق أن يكون لجميع هذه النجوم العمر نفسه تقريبًا.
والعامل الذي يؤثر تأثيرًا فعالًا فى مدى العمر الزمني لتطور النجم، هو مقدار ما يحتويه من مادة. فالنجوم عظيمة الكتلة تتطور بوتيرة أسرع مئات المرات من النجوم ذات الكتلة الأكثر ضآلة، وتمثل دراسة كتل النجوم الآخذة في التحول مؤشرًا طيبًا لتحديد عمرها. وحتى عام 1996 كان يُعتقد أن عمر أقدم العناقيد النجمية 14 بليون عام، وبهامش من عدم التيقن لا يتجاوز 2 بليون عام، إلا أن الموقف قد شهد تحولًا عنيفًا عام 1997إذ أُعلنت النتائج الجديدة التي جلبها القمر الصناعي «هيبارخوس» والتابع لوكالة الفضاء الأوربية، والذي قام بقياس المسافات إلى 120000 نجم قريب بدرجة دقة تزيد مائة مرة عن القياسات من على سطح الأرض، ومن المعروف أن سرعة تباعد المجرات (ع) تتناسب على وجه التقريب مع المسافة إليها(ف)، ولا يزال ثابت التناسب (هـ) المعطى بالمعادلة ع = هـ. ف يٌسمى بثابت «هابل» نسبة إلى الفلكي الأمريكي إدوين هابل، الذي شرع منذ عام 1925 في تقدير أبعاد المجرات النائية.
وقد بقيت التقديرات المختلفة لهذا الثابت مجالاً لجدل واسع. وطبقا لأحدث القياسات التي أُجريت عام 2009، فإن قيمة ثابت هابل تٌقدر بنحو 74.2 كيلومتر لكل ثانية لكل ميجا بارسك، أو 22.8 كيلومتر لكل ثانية لكل مليون سنة ضوئية. وما لم يكن ثابت هابل قد تغير منذ الماضي السحيق فإن هذا يثبت أن الكون قد نشأ منذ حوالى 12 بليون عام خلت. على أية حال، فما من سبب يدعونا للاعتقاد بتغير هذا الثابت. إن المرء حين ينظر في أغوار الفضاء فإنما يتطلع إلى ذلك الماضي االموغل في القدم. وكل ما يمكن أن يُقال مع مطلع القرن الحادي والعشرين هو أنه لم يعد ثمة تناقض ذو بال بين بيانات أحدث الأرصاد، وأن عمر الكون يتراوح بين 10 و15 بليون عام.