بِفَم هذا الرجل بدأت قصة الضم والفتح والكسر والتنوين!
ابن الجزيرة العربية مؤسس النحو الذي عاش قرابة قرن واستخدم حركة الفم لتعليم التشكيل
العربيةنت
تُجمع أهم المصنّفات الأدبية العربية القديمة، والتي تعتبر مرجعاً لدارسي نظرية الشعر العربي وتطورها وأخبارها وكل ما اتصل بشخوصها، على أن مؤسس علم النحو، في اللغة العربية، هو أبو الأسود الدؤلي، الذي انحدر من الجزيرة العربية.
وأبو ألاسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار، "وهم إخوة قريش" كما ضبط صاحب "الأغاني" اسم أبي الأسود.
حركات الفم.. تعني كسراً أو فتحاً أو ضماً
وجاء في المصنّف العربي الشهير "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، أن الدؤلي أراد أن يعمل كتاباً في العربية لتقويم ما فسد من كلام الناس، فابتدأ بإعراب القرآن الكريم، ثم أحضر مصحفاً وأحضر حبراً يختلف لونه عن لون الحبر الذي خُطّ به، من أجل تمييز التشكيل، وقال للذي يمسك المصحف، إنه لو فتحت فمي "فاجعل نقطة فوق الحرف". أمّا إذا كسر فمه، وهو ينطق الكلمة، فيطالبه أن يضع "نقطة تحت الحرف". وفي حال ضمّ فمه، فعلى الكاتب أن يضع "نقطة أمام الحرف".
وتصل رواية القلقشندي إلى التنوين، فجاء فيها أن الدؤلي قال لحامل المصحف الذي سينفّذ تعليماته بكتابة "الشَّكل" إنه لو قام بأي من هذه الحركات الفموية متبوعةً بـ"غنة" فهذا يعني تنويناً عبر وضع نقطتين.
الرواية ذاتها سردها ابن خلكان صاحب "وفيات الأعيان"، بجميع الحركات الفموية التي تتعلق بالفتحة والضمة والكسرة، أمّا "معجم الأدباء" لياقوت الحموي فترد فيه إشارة محددة عن قيام الدؤلي بتحديد حروف النّصب، تبعاً للمنقول في مصنّفات عربية شهيرة، من أن الدؤلي أخذ علم الإعراب عن الخليفة علي بن أبي طالب، إلا أن صاحب "الأغاني" يؤكد أن الدؤلي نقل عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، موضحاً أن أبا الأسود "رسم أصول النحو كلها فنقلها النحويون وفرَّعوها".
وبهذا، يكون الدؤلي، وبرواية أهم المصنّفين العرب القدماء وكتّاب التراجم، هو ابن الجزيرة العربية الذي أسّس النحو، ثم تولى من جاء بعده، إتمام رحلة النحو العربي.
أول من وضع علم النحو.. جاء من الجزيرة العربية
وعلى الرغم من أن الدؤلي هو صاحب اختراع أول طريقة وضع رسم الضم والفتح والكسر والتنوين عبر تقنية النطق بالفم ثم الإشارة إلى التشكيل بالنقاط التي أصبحت في ما بعد كسرة وضمة وفتحة، إلا أن انشغال النخب العربية بتلامذته، فاق اهتمامهم به، هو شخصياً، فحازوا على الشهرة والرواج أكثر مما حازه، مع أن أهم المصنفات العربية اعترفت بفضله وسمّته بأنه واضع علم النحو.
فقد عرّفه ياقوت الحموي، صاحب "معجم الأدباء" و"معجم البلدان" بأنه "أول من وضع العربية".
وقال عنه صاحب "الأغاني" بأنه "كان الأصل في بناء النحو وعقد أصوله". ولا يختلف "لسان العرب" عن ما قاله صاحب "الأغاني" بحق الدؤلي، فيؤكد: "وبَلَغَنا أن أبا الأسود الدؤلي وضع وجوه العربية وقال للناس انحوا نحوه، فسمّي نحواً".
الجميع يعترف له بالفضل والأسبقية
وجاء في " معجم الأدباء" للحموي، رواية منقولة بالتسلسل، توضح أثر الدؤلي الفعلي وتلامذته من بعده، وورد فيها أن أول من وضع العربية هو أبو الأسود الدؤلي، ثم جاء عنبسة المهري وأخذ النحو عنه، ثم جاء ميمون الأقرن وأخذ النحو عن عنبسة، وجاء ميمون بن أبي إسحاق الحضرمي وأخذ عن الأقرن، وأخذ عن الأخير عيسى بن عمر، ثم الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم "سيبويه" الشهير، ثم تلاه الأخفش.
يذكر أن هناك خلافاً بسيطاً في تحديد سنة وفاة أبي الأسود الدؤلي في البصرة، إلا أن تاريخ وفاته سنة 69 للهجرة، هو المرجّح في "وفيات الأعيان"، مع فارق ضئيل لا يتعدى السنتين، يورده "معجم الأدباء".
ويعدّه الجاحظ من البخلاء، وكذا يرد في "الأغاني" و"وفيات الأعيان" بل إن "معجم الأدباء" ينقل رواية تضعه في مراتب بخلاء العرب، فينقل أنه واحد من أربعة في البخل، هم: الحطيئة، وحميد الأرقط، وأبو الأسود الدؤلي، وخالد بن صفوان.
أُصيب الدؤلي بجائحة الطاعون التي ضربت البصرة العراقية، في ذلك الوقت، وقيل إنه مات بسبب مرض "الفالج" الذي أصابه. ورواية أخرى تقول إنه مات عن عمر 85 سنة بسبب مرض الفالج الذي ضربه بعدما أصيب بالطاعون