تكوين الفرد الفعال
تكوين الفرد الفعال هل هو مسؤولية أسرة أم هو مسؤولية مجتمع؟ وما هي الخطط التربوية الجديرة بأن تعتمد في سياق تحقيق هذا الهدف الذي غدا مطلباً قومياً وحاجة حياتية، وفرض نفسه اليوم كخيار إنقاذ لأمة يراد بها السوء وعليها أن تعد العدة لما هو كائن.
ولما هو آت في ظل شح في الخطط التنموية الصادرة عن السلطات الرسمية وانعدام للثقة بين الرعاة والرعية، وشعور الإحباط من أن يكون قادراً على إخراج ترياق العافية بعد أن عرفت الأمراض والأدواء الفكرية والنفسية طريقها إلينا، وطاب لها العيش في تلك الأدمغة المهيئة سلفاً لاستقبال الملوثات الضارة بالبيئة العقلية والتي تراجعت مقاومتها إلى الحدود الدنيا؟!.
استعادة اللياقة النفسية ، والشفاء من الأدواء الفكرية هو المطلب الأول في مشروع الإنقاذ، واستعادة الهيبة المفقودة في المحافل العالمية.
وكل مشروع نهضوي لا يضع في حسابه هذا البعد، ولا يعتمد إصلاح منظومة الأفكار الخاصة بالفرد، هو مجرد أوهام سرعان ما ستكشفها الأيام، وقد فعلت.
ويبقى المطلب الرئيس وهو كيفية صياغة الشخصية الواعية الواعدة القادرة دائما أن ترفع رأسها وتعبر عن قناعاتها مهما علا الموج ، وازداد الزبد ، وكثر الهرج والمرج والأخذ والرد في مسلمات أصبحت اليوم مع الأسف الشديد قضايا شائكة تستدعي إعادة العرض، وإجراء محاورات عقلية لتنبيه الناس إلى خطورة تجاهلها والاستخفاف بها.
من تلك المسلمات التي يشكك اليوم في جدواها قضية وجوب دفع ضريبة المواطنة والانتماء إلى الأمة والهوية.
هذه الضريبة التي هي تعبير صادق عن جدارة الشخصية في كل زمان ومكان على تحمل واجباتها العامة غدت ا ليوم مسألة موضوعة على الرف، وأقصيت بصورة متعسفة عن العرض والبيان لصالح أفكار هجومية تنتقد الواقع ولا تمتلك أية رؤية للخروج من الأزمات.
حتى إن العارف ليعجب من هذا الانحدار، وكأنه لا يكفينا ما بنا حتى نبتلى بالملتاثين عقليا المحترفين إشعال الحرائق دون أن يمتلك أحدهم دلوا واحدا يفرغ ما به على النار التي أضرمها أو شارك بها.
وهل الحرائق الكلامية التي تصيب الفكر بمقتل أو تشل حركته وتقعده عن النهوض ليست بمثابة أعداء جدد يضافون إلى قائمة أعدائنا التقليديين المحيطين بنا من كل صوب واتجاه؟!.
أليس توجيه ضربات متتالية إلى منظومة التفكير هو جريمة أخلاقية لا تقل خطورة عن جرائم القرصنة المالية أو القرصنة التكنولوجية التي تحدث للدول الصناعية؟!.
ألا تمثل قرصنة الفكر صورة حديثة لانتهازية المحللين الجدد الذين يفسرون الأحداث وفق منطق مهزوم كسيح ينشر الإحباط، ويبشر بالمزيد من الهزائم ، لأنه حسب طرحهم الهزيل ليس هناك من مخرج إلى قيام الساعة؟!
ألا يعد تيئيس الأمة جريمة أخلاقية، وتلقينها اللغة البكائية كطريقة لمعالجة الأزمات برهان على إفلاس هؤلاء المنظرين للفشل والموجهين لليأس؟.
ثم ماذا عن الإصرار على جلب أولئك المنظرين دون غيرهم هل يعنى ذلك أنهم أبطال العصر الراهن، وملهموه الكبار؟
أليس عيبا أن يكون الملهم شخصا مهزوما إلى هذا الحد، ومهووسا في الوقت نفسه بتوجيه الناس إلى لطم الخدود وشق الجيوب وندب حظهم العاثر الذي جعلهم من أمة العرب دون غيرها من الأمم؟.
بالله عليكم أليس في القوم رجل رشيد، (والقوم هنا وسائلنا الإعلامية الملهمة التي تفجرت عبقريتها على اللجوء إلى جماعات الضغط على الأعصاب لتسويد ما بقي من بياض في صفحات أيامنا الراهنة) فيغير من تلك السياسة الموغلة في تيئيس الجماهير إلى سياسة أكثر انفتاحا على الأفكار الخلاقة القادرة على إعادة التوازن إلى الناس، ويستقطب النماذج الفاعلة التي تخاطب الفرد بكونه حجر البناء ومنطلق زاوية التغيير .
مثل هذا الرأي يحتاج إلى أن يتغير أداؤنا الإعلامي بنسبة 180 درجة فهل نطمع في حدوث ذلك؟!.
ولو تواضعنا بأحلامنا أكثر (وما أكثر ما نتواضع ) وطلبنا منهم أن يمزجوا بين المبشرين بمزيد من الهزائم وبين من يقترحون الحلول ويملكون قدرا من التوازن في أرائهم فهل سيصغي لنا الإعلام هذه المرة؟!
أعتقد أن من صالح الكثيرين أن تظل الأمور على ما هي عليه ، مما يلجئنا إلى إعادة طرح السؤال ثانية حول مسمى الجهات التي تقع عليها مسؤولية تكوين الفرد الفعال، فهل هي الأسرة أم المجتمع في ظل واقع يرسم ريشته أعداء في الخارج يساعدهم بعض المحبطين في الداخل بهدف تغييب الفرد عن واجبنا يومه وغده؟!!