يقول فرانسيس بيكون الكاتب الانكليزي المعروف ان القراءة تصنع انساناً كاملاً، ان هذه الكلمات الرائعة قالها بيكون في زمن كانت فيه الكتب نادرة وكان من الصعب الحصول عليها مع العلم ان اقتناء الكتب في ذلك الزمان مثل اقتناء جهاز حاسوب لوحي في وقتنا الحاضر، ولكي نعرف ماهية القراءة فأنها ممارسة انسانية تفاعلية تعمل على رفع مستوى الوعي لدى الانسان وتوسيع مداركه وانعكاس ذلك بشكل ايجابي على سلوكياته.
كانت القراءة في بداية نشوء الحضارة والتدوين امتيازا مقتصرا على الكهنة والوزراء والملوك وكان كل من لديه القدرة على ممارسة القراءة في تلك الأزمان الغابرة يعتبر شخصاً ذو شأن مرتفع بسبب الأميّة المنتشرة بشكل كبير بين المجتمعات البشرية في وقتها فقد كان الدخول الى المدرسة والتعلم أمراً فقط الأغنياء والموسرين هم من يقدرون عليه.
لكن مفهوم القراءة الذي نعرفه الآن لم يصل الى معناه الشامل الا بعد ان ظهرت الكتب بشكلها المعروف وازدياد اعدادها واشكالها من حيث الكتاب الكبير او الكُتيب الصغير والفضل يعود في ذلك الى اختراع المطابع وتطورها والتي جعلت من الحصول على الكتاب امراً ميسراً لكل الطبقات الأجتماعية خاصة المتوسطة والفقيرة واصبحت القراءة مع نهايات القرن التاسع عشر الى مابعد منتصف القرن العشرين نشاطا منتشرا وشائعاً ساهم بشكل عظيم في تقدم الأمم ورُقيها الا ان هذا النشاط المعرفي بدأ بالتراجع تدريجيا مع ظهور التلفاز والسينما ثم الكمبيوتر حتى انتشار الانترنت وصولاً الى مواقع التواصل الاجتماعي حالياً.
ان الملاحظ الآن انه ومع كمية الكتب المنتشرة والأساليب المتقدمة في طباعتها وطُرق تسويقها وتقديمها الا ان القراءة كفعل ثقافي قائم بذاته لازال متراجعا خصوصا بين الفئات العمرية الصغيرة والشابّة وتقتصر بشكل عام على الطبقة التي تمتهن الكتابة والبحث والتأليف لان انتشار المعلومة ثقافية ام علمية او مهما كانت بدأت تصل الى المتلقي عن طريق القراءة من الوسائل الالكترونية الأخرى مع اغفال ان اخذ المعلومة عن طريق قراءة الكتاب لها أثر وفائدة مختلفة ومميزة مقارنة بالوسائل الالكترونية حيث ينزع القارئ حاليا الى قراءة المعلومة القصيرة والسريعة وبأسلوب عرض على شاشة الكترونية متفاعلة.
قد يكون الامر كذلك بسبب ضغوطات الحياة المستمرة ومتطلباتها التي باتت تأخذ حيزا كبيرا من تفكيرنا ووقتنا واصبحت تشغلنا بأستمرار مما أبعدنا عن متعة تدعى (قراءة الكتاب) والأستغراق في الأفكار والمحتوى الذي يحمله ولذلك وفي خضم هذا التيار الجارف من أعباء حياتنا، هناك حاجة ضرورية تدفعنا الى العودة الى هذه الممارسة بكل ما تحمل من معنى من تهيأة النفس والعقل للتفاعل مع الكتاب وخلق جو مناسب للقراءة يأخذنا بعيدا عن فوضى الحياة اليومية ولو لسويعات قليلة لنجعل عقلنا يعيش مع فكرة الكتاب.