يساهم الصيد الترفيهي في تمويل حماية الحيوانات البرية. لكن النقاد يقولون إن منافع هذا الصيد لا تستوي والحملات الدعائية المصاحبة له، وإن قتل الطرائد الكبرى بات اليوم مسألة لا أخلاقية.
استمرت قطعان الفيلة في التوافد قرب الأحواض المتربة، وهي تمشي الهوينى بحثا عن الماء. لما انتصف نهار ذلك اليوم من أيام سبتمبر قاربت درجة الحرارة الأربعين. تحركت هذه المخلوقات -صاحبة الجلد الغليظ- على تخوم صحراء كالاهاري في ناميبيا، حيث "محمية نيا نيا" الطبيعية التي يتدبر أمرها زهاء 2800 من أفراد قبيلة "سان" في شظف من العيش.
خلّفت الفيلة في أثرها فروع شجر مكسَّرة وروثاً دافئاً، وما إن شمَّت رائحة عرقنا الممزوجة برائحة أعشاب لفحتها أشعة الشمس حتى ولّت هاربة لا تلوي على شيء وهي تنهم جزعاً.
لاحقا، بدت الفيلة في الأفق أشبه بظلال بين ثنايا أشجار الطلح. تضاءلت هذه الكائنات العظيمة حتى كادت تحتجب عن أنظارنا باستثناء مرافقنا "دام" -قصاص الأثر القصير والمكتنز من قبيلة سان- الذي وقف على مؤخرة سيارة "لاند كروزر".
اتكأ دام على جانب السيارة الأيمن بعدما لمح آثارا على الرمال، وصاح بلكنة ركيكة: "فيلة"، وهو يضرب على الباب فتوقفنا فجأة. قفز من السيارة، وتفحص أثر قدم ذات حواف مخددة انطبعت داخلها فقاعات. أومأ دام برأسه، فترجّل "فليكس مارنيويكي"، السائق والصياد المحترف ودليل الرحلة. كان مارنيويكي فارع الطول قوي البنية، أشقرَ الشعر في عقده الرابع، وقد بدا بوسامته وكأنه خرج توّا من مباراة لاختيار ممثلين، وكان يعتمر قبعة من قماش ويرتدي سروالا قصيرا.
وقف مارنيويكي على الأثر هنيهة وقد علت وجهه نظرة تساؤل، ثم ما لبث أن أومأ برأسه موافقا. صحيح أن صحراء محمية "نيا نيا" ذات الأشجار الخفيضة وطنٌ لقبيلة سان، لكنها أيضا وطنٌ لبعض آخر أكبر الفيلة البرية في العالم؛ وما أثر القدم إلا دليل على ذلك.
ترجّلت بقيتنا من السيارة، وتبِعنا قصاص الأثر الذي يلقبه أصحابه بـ"العجوز"، وهو قصاص آخر من قبيلة سان قيد التدريب يتولى مهمة "حامي طرائد"؛ إذ يسهر على مطابقة الصيد لقواعد المحمية واحترام الحصص المفروضة. كان آخر من ترجّل في ذلك القيظ "الزبون" نفسه، وهو رجل أعمال أميركي. فتح صندوق السيارة ومد يده إلى حاوية ليتناول بندقية ذات فوهتين، من طراز "470 نايترو إكسبريس"، تزن 5.5 كيلوجرام. يبلغ سعر هذه البندقية 200 ألف دولار، ونظرا لقوتها فإنها تحظى بمكانة خاصة في قلوب صيادي الحيوانات الكبرى من أجل التذكارات، ولذلك قدم صاحبنا الذي كان صيادا جشعا قادته مغامراته إلى آسيا الوسطى لاقتناص "كبش ماركو بولو" على ارتفاع 4500 متر، ثم إلى إفريقيا ليصطاد فهدا، وها هو ذا يعود إلى إفريقيا طلبا للفيلة.. فيلان اثنان في واقع الأمر.