كوشيار بن لبان الجيلي (توفي حوالي سنة 459هـ = 1067م) واحد من كبار الفلكيين والمهندسين والرياضيين في الحضارة الإسلامية، نبغ في بغداد واشتهرت أبحاثه في أنحاء العالم، من أشهر مؤلفاته: مجمل الأصول في أحكام النجوم، والزيج الجامع، وكتاب أصول حساب الهند.
اسمه ونسبه
هو أبو الحسن كوشيار بن لبَّان بن باشهري الجيلي، ويروى: ابـن ليَّان المعروف بأليكيا، اشتهر كوشيار الجيلي في بغداد كعالم فلكي ومنجِّم معروف ومهندس رياضي. قال الزركلي: "ورد اسم أبيه على بعض النسخ من كتبه: "لبنان"، واسم جده "باشهيار" و"باشهري"، وهو على مخطوطة الفاتيكان: "كوشيار بن لبان الباشهري الجيلي" ا.هـ.
و"الجيلي": بكسر الجيم وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها. هذه النسبة إلى بلاد متفرقة وراء طبرستان، ويقال لها: كيل وكيلان، فعُرِّب ونسب إليها، وقيل: جيلي وجيلاني، ويقال: كيلاني، كذلك.
مولده
يتضح من نسب أبي الحسن كوشيار أنه ليس عربي من بلاد ما وراء طبرستان، غير أننا لا نعرف أين ومتى ولد، إذ لا توجد ترجمة حياته فيما لدينا من كتب. ونستنتج من كتاباته أنه كان من علماء بغداد المعتمدين في علمي الفلك والهندسة، وأنه عاش في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري والنصف الأول من القرن الخامس الهجري. فقد ورد في كتاب "مجمع الأصول في أحكام النجوم" وهو من كتبه المعروفة: "وكان من ابتداء الأدوار إلى عند حلول الشمس 20 درجة و14 دقيقة من الحوت في سنة 321 ليزدجرد انقضت .."، وسنة 321 يزدجردي تطابق 342هـ = إحدى وستين وثلاثمائة يزدجريدية .."، وهي تطابق سنة 383هـ = 993م.
المهندس الفلكي النابغة
يقول بعض المؤرخين: إن كوشيار بن لبُّان الجيلي كان يعد في صفوف العلماء مهندسًا وفلكيًّا. صنف هذا العالم "مجمل الأصول في أحكام النجوم" و"الزيج الجامع" و"المدخل في صناعة أحكام النجوم" وكتبًا أخرى، منها "المقالة الأولى في حساب الأبواب من المقالات الأربعة".
ومن الجدير بالذكر أن علماء العرب قد عملوا في إعداد الأزياج (جمع زيج) وهي جداول فلكية حسابية بنيت على قوانين عددية توضح حركة كل كوكب، وتحدد منها مواقع الكواكب في أفلاكها، وتعرف منها تواريخ الشهور والأيام والتقاويم المختلفة. وإضافة إلى الزيج الجامع لكوشيار بن لبان الجيلي؛ هناك زيج إبراهيم الفزاري وزيج الخوارزمي وزيج الطوسي وزيج ابن الشاطر.
قال البيهقي -في تاريخ حكماء الإسلام- عن كوشيار بن لبان الجيلي: "خالفه بعض المهندسين في تقويم المريخ، فاستخرج جدولًا وسماه: تعديل المريخ"، فلا نستغرب تبعًا لذلك مما كان يقول ابن لبان الجيلي: "من لم يعرف عيوبه لم يكن مشفقًا على نفسه".
وقال فيه أحمد تيمور باشا -وقد عده من أعلام المهندسين في الإسلام: "كان مهندسًا ملء إهابه، داخلًا بيوت هذا الفن من أبوابه، وكفاه معرِّفًا زيجه (بالغ)، ثم زيجه المعنون بالجامع، ثم مجمله في علم النجوم، ثم سائر تصانيفه، كمثل معرفة الإسطرلاب وعمله، وغير ذلك ..، ومما نقل عنه قوله: إذا طلب رجلان أمرًا، ناله أسعدهما جدًا، من لم يعرف عيوبه لم يكن مشفقًا على نفسه".
الرياضي الفذ
يمكن القول إن كوشيار بن لبان الجيلي ينتمي إلى عصر البوزجاني (328 - 388هـ = 940 - 998م) الذي يضم علماء القرن الرابع الهجري = العاشر للميلاد، ودعي العصر بذلك نسبة إلى أبي الوفاء البوزجاني؛ وهو من أعظم علماء الرياضيات عند العرب وفي تاريخ الإنسانية.
فكما كان كوشيار الجيلي فلكيًّا ومهندسًا معروفًا في بغداد، فقد كان كذلك رياضيًّا وحسابيًّا مشهورًا، ومن كتبه في علم الحساب: " أصول الحساب" أو "أصول حساب الهند"، وهو من الكتب التمهيدية الأولى للحساب الهندى، يقول الدكتور عبد الحميد صبرة في موجز دائرة المعارف الإسلامية: "ألفهُ أبو الحسن كوشيار بن لان الجيلى حوالى عام 390هـ= 1000م، ويقع الكتاب فى جزأين يعرض أولهما للأرقام التسعة ولمبدأ القيم العشرية للخانات العددية! حيث تشير دائرة صغيرة (صفر) إلى غياب رقم المرتبة (الخانة) التى يشغلها. ثم يتناول كوشيار الزيادة (الجمع) النقصانى (الطرح) والضرب والقسمة أما "التضعيف" و"التنصيف" فهما معالجان بوصفهما صنفين من الجمع والطرح على التناظر، ويلى ذلك معالجة للجَذْر (الجذر التربيعى)، ثم ينتهى هذا الجزء بفصل قصير عن الموازين. أما الكسور فيعبر عنها الكتاب أساسا فى صورة "قيم ستينية"؛ فالنصف مثلا يعبر عنه بثلاثين جزءا من الواحد الصحيح، وعلى ذلك فالناتج النهائى لتنصيف العدد 5625 يظهر على الصورة 2812، 30 وعلى النحو ذاته يحول باقى القسمة بالضرب (× 60) إلى التقدير الستينى ثم يقسم على المقسوم عليه. أما الجزء الثانى فهو مخصص بكامله لنظام الحساب الستينى المركب (بما فى ذلك حساب الجذر التربيعى) بمعاونة جداول ضرب الأعداد حتى العدد 60 (وهى مفقودة من النّص الباقى). وفى تلك الجداول يُعَبًر عن الأعداد بنظام حساب الجُمَّلْ التقليدى، وإن كانت العمليات الحسابية ذاتها تقوم على نظام القيم العشرية للخانات العددية مع استخدام الأرقام التسعة والصفر، ويشرح الفصل الأخير كيفية استخراج الكعب (الجذر التكعيبى) فى النظام العشرى. والكتاب يتناول العمليات الحسابية من خلال إجرائها على تَخْت (تختة رمل) وما يشتمل عليه ذلك من محو وإزاحة الأرقام".
ويقول الدكتور عبد الحميد صبرة في موضع آخر من الموجز: "ومن المقدمات الأولى للحساب على النمط الهندى بقيت مقدمة أبى الحسن كوشيار بن لبان الجيلى وعنوانها "أصول حساب الهند"، وقد صنفها سنة 390 هـ الموافق 1000 م (Principles of Hindu Reckoning، صورة طبق الأصل من النص العربى مع ترجمة إنكليزية بقلم Martin Levey, Marvin Petruckh, Madison and Milwaukee سنة 1965م). وهذه المقدمة من جزئين، الأول يقدم التسعة الرقوم مع مبدأ قيمة التواجد العشرى، وتشير دائرة صغيرة (الصفر) إلى خلو عدد من الوضع المكانى (أى المرتبة) الذى يشغله. ثم يبدأ كوشيار فى إجراء الجمع (أى الزيادة) والنقصان (أى عمليات الطرح) والضرب والقسمة. أما عمليتا التضعيف والتنصيف فقد قال إنهما نوعان آخران من الزيادة والنقصان على التوالى. ثم يعقب ذلك طريقة إيجاد الجذر التربيعى (أى الجذر) وينتهى هذا الجزء بفصل قصير عن "الموازين"، وفيه يستخدم ميزان التسعة لمراجعة نتائج عمليات الضرب والقسمة واستخراج الجذر التربيعى. أما الكسور فيعبر عنها هنا مطلقا بالنظام الستينى. فالنصف مثلا يعبر عنه بثلاثين جزءا من واحد، وعلى ذلك فلتنصيف العدد 5625 تظهر النتيجة كالآتى 2812. وبالمثل فإن باقى عمليات القسمة يضرب 30 فى قوى 60 ثم يقسم على المقسوم عليه. أما الجزء الثانى فقد خصص برمته للتركيب بجدول الستين فى التقدير (وهو يشمل الجذر التربيعى) بمساعدة جداول الضرب للأعداد من واحد الى ستين (وهى مفقودة فى النسخة الباقية). وفى هذه الجداول تتمثل الأعداد بأرقام الأبجد التقليدية. على أن العمليات الحسابية ذاتها تستخدم النظام الوضعى الصرف للعد باستعمال الأعداد التسعة والصفر. أما الفصل الأخير من الرسالة فيوضح عملية استخراج الجذر التكعيبى بالنظام العشرى. وتجرى العمليات الحسابية كلها فى الرسالة على تخت من الغبار وتتضمن المحو والإزاحة للأعداد، والنتيجة النهائية هى فى الإحلال لعدد واحد من الأعداد المعطاة. فإذا أردنا مثلا إيجاد حاصل ضرب العدد 325 × 243 فإن الأرقام الآتية تتتابع بعد أن يحل الواحد محل الآخر على التخت: 325 - 6325 - 72325 - 72925 - 77765 - 243 - 243 - 243 - 243 - 243 - 78975 - 343".ا.هـ.
مؤلفاته وآثاره
ترك كوشيار بن لبان الجيلي مؤلفات عدة في الفلك والحساب، منها:
"رسالة دلالات الكواكب" بخط يحيى الحسين بن الحاج أحمد أفندي، و"اللامع في أمثلة الزيج اللامع"، و"تعديل الزيج" جـدول فلكي، و"الزيج الجامع والبالغ"؛ وهو خرائـط فلكية، ترجمه إلى الفارسية محمد بن عمر بن أبي طالب المنجم التبريزي عام 483هـ، "الإسطرلاب"، و"الإسطرلاب وكيفية عمله واعتباره على الكمال والتمام"، و"المجمل في أصول صناعة النجوم" و"مجمع الأصول في أحكام النجوم"، و"كتاب الكيا في النجوم"، و"أصول صناعة الأحكام وجملها والطرق إلى التصرف فيها واستعمالها"، و"مجمل كوشيار"، و"مقالة في الحساب"، و"تجريد أصول تركيب الجيوب"، و"المقالة الأولى في حساب الأبواب من المقالات الأربعة"، و"أصول الحساب" أو "أصول حساب الهند".
وأورد حاجي خليفة أن لكوشيار كتابًا في علم الاختيارات، وهو "علم باحث عن أحكام كل وقت وزمان، من الخير والشر، وأوقات يجب الاحتراز فيها عن ابتداء الأمور، وأوقات يستحب فيها مباشرة الأمور، وأوقات يكون مباشرة الأمور فيها بين بين. ثم كل وقت له نسبة خاصة ببعض الأمور بالخيرية، وببعضها بالشرية، وذلك بحسب كون الشمس في البروج، والقمر في المنازل، والأوضاع الواقعة بينهما من: المقابلة، والتربيع، والتسديس، وغير ذلك، حتى يمكن بسبب ضبط هذه الأحوال، اختيار وقت لكل أمر من الأمور التي تقصدها: كالسفر، والبناء، وقطع الثوب، .. إلى غير ذلك من الأمور. ونفع هذا العلم بيِّنٌ، لا يخفى على أحد" ا.هـ.
تتوزع معظم آثار كوشيار بن لبان الجيلي بين مكتبات القاهرة والإسكندرية وفي إسطنبول (يني جامع وفي الفاتح وآيا صوفيا)، وفي طهران ودبلن وباريس وأوكسفورد، ومعهد التراث العلمي العربي بحلب وفي المكتبة البريطانية والمتحف البريطاني، وفي بغداد.
مجمع الأصول في أحكام النجوم
قال حاجي خليفة: "جعله مشتملًا على: أربع مقالات: الأولى: في المدخل. الثانية: في الحكم على أمور العالم. الثالثة: في الحكم على المواليد. الرابعة: في الاختيارات".
زيج كوشيار
قال حاجي خليفة: "زيج كوشيار ابن لبان الجيلي. أرصده في: سنة 459هـ. أورد فيه: ثمانية فصول. وترجمه بالفارسية: محمد بن عمر بن أبي طالب التبريزي".
وفاته
اختلف العلماء في تاريخ وفاة كوشيار الجيلي، فذكر الباباني البغدادي في هدية العارفين أنه مات في حدود سنة 350هـ = 961م، وأيده في ذلك الزركلي. بينما يرى الدكتور عبد الحميد صبرة أنه كان حيًّا سنة 390هـ = 1000م حيث ألف كتابه في أصول حساب الهند. وفي الموسوعة العربية العالمية أنه توفي سنة 420هـ = 1029م. ويذهب حاجي خليفة في كشف الظنون أنه كان حيًّا سنة 459هـ = 1067م، وألف فيها زيجه المعروف، وتبعه في ذلك عمر كحالة في معجم المؤلفين.
وما ذكره حاجي خليفة أقرب تلك الآراء إلى الصواب، ودليل ذلك ما أورده في كتابه "مجمع الأصول في أحكام النجوم" -وذكرناه آنفًا- من سنوات فلكية متعلقة بالنجوم ومواقع الكواكب تطابق أخريات القرن الرابع الهجري أي أنه كان حيًّا في النصف الأول من القرن الخامس الهجري.
________________
المصادر والمراجع:
- كوشيار بن لبان الجيلى: أصول حساب الهند، تحقيق: د. أحمد سعيد سعيدان، مجلة معهد مخطوطات جامعة الدول العربية، مايو 1967م.
- النظامي العروضي السمرقندي: مجمع النوادر، أو (جهار مقالة، أي المقالات الأربع: في الكتابة والشعر والنجوم والطب)، نقله إلى العربية: عبد الوهاب عزام، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - مصر, 2010م.
- حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، الناشر: مكتبة المثنى - بغداد (وصورتها عدة دور لبنانية، بنفس ترقيم صفحاتها، مثل: دار إحياء التراث العربي، ودار العلوم الحديثة، ودار الكتب العلمية)، 1941م.
- إسماعيل باشا الباباني البغدادي: هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، الناشر: طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية - إستانبول، 1951م، وأعادت طبعه بالأوفست: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو، 2002م.
- عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي – بيروت، د.ت.
- أحمد تيمور باشا: أعلام المهندسين في الإسلام، الناشر: وكالة الصحافة العربية - الجيزة، 2013م.
- زهير حميدان، أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية (وزارة الثقافة، سورية 2004م).
- علي عبد الله الدفاع، أثر علماء العرب والمسلمين في تطوير علم الفلك (مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان 1985م).
- موجز دائرة المعارف الإسلامية، تحرير: م. ت. هوتسما، ت. و. أرنولد، ر. باسيت، ر. هارتمان
الأجزاء (أ) إلى (ع): إعداد وتحرير/ إبراهيم زكي خورشيد، أحمد الشنتناوي، عبد الحميد يونس
الأجزاء من (ع) إلى (ي): ترجمة / نخبة من أساتذة الجامعات المصرية والعربية، المراجعة والإشراف العلمي: أ. د. حسن حبشي، أ. د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ، أ. د. محمد عناني، الناشر: مركز الشارقة للإبداع الفكري، الطبعة: الأولى، 1418هـ = 1998م.
- فايز فوق العادة:كوشيار بن لبان الجيلي، الموسوعة العربية العالمية، المجلد السادس عشر، ص564.