هل تمثل القارة السمراء مستقبل الطاقة النظيفة؟
في الفيلم الشهير 2012 ترسو السفن التي بقت بعد نهاية العالم على رأس الرجاء الصالح، حيث تندثر كل القارات الأخرى تحت سطح الماء ولا يتبقى إلا أفريقيا لتكون عالم البشر الجديد، في إشارة ساخرة إلى أن تلك القارة المهملة، والتي طالما عانت من الحروب والفساد والفقر، سوف تكون يوما ما ملجأ البشر، بعد أن تضيق بهم الأرض وتتأرجح السبل، فهل يمكن أن يكون ذلك -بشكل ما- حقيقيًا؟ هل يمكن أن تعيش تلك القارة البائسة مستقبلًا مشرقا يوما ما؟ هل يمكن أن تصبح مركزًا لانطلاق شيء جديد نظيف يمكن له أن ينقذ العالم؟
طاقات نظيفة
أفريقيا هي أكثر قارات العالم تعرضًا للشمس، تحتوي على مجموعة من الصحاري المشمسة بصورة دائمة، وعلى الرغم من وجود الأمطار الكثيفة في بعض المناطق، إلا أن المجمل يحتوي بفارق واسع على قدر من التعرض للشمس يهيئ القارة السمراء لتكون أفضل وأكبر مصدر للطاقة الشمسية في العالم، حيث يستقبل 85% من مساحتها المفتوحة أكثر من 2000 كيلو وات/متر تربيع في العام، بينما تتمكن منشأة طاقة شمسية تغطي .3% من تلك المساحة -مرة ونصف مساحة سيناء- من أن تمد الاتحاد الأوروبي كاملا بكل احتياجاته من الطاقة!
هناك عدد من الأسباب التي تدفع بلاد القارة السمراء للمحاولة الجادة مع عالم الطاقات النظيفة المعتمدة على الشمس والرياح
بيكسلز
في المقابل من ذلك، يمكن لأفريقيا أيضًا أن تكون مصدرا جيدا لطاقة الرياح والأمواج، فعلى الرغم من أن قدرات الرياح كمصدر للطاقة في وسط أفريقيا تقع تحت المعدل، إلا أن الساحل الغربي للقارة مع القمم المنتشرة وبعض الخصائص الطوبوغرافية الهامة، يقدم فرصة جيدة للحصول على 3750 كيلو وات ساعة من الطاقة والتي يمكن أن تمد المناطق المجاورة بحاجتها من الطاقة بشكل آمن، يعتقد الباحثون أن هناك قدر من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بأفريقيا أكبر من المتوقع له أن يغطي 3700 مرة احتياجها للكهرباء.
يمكن القول إن هناك عدد من الأسباب التي تدفع بلاد القارة السمراء للمحاولة الجادة مع عالم الطاقات النظيفة المعتمدة على الشمس والرياح، فالنمو السكاني في القارة يكاد يكون انفجارا، فحسب تقارير أخيرة سوف يتضاعف عدد سكان القارة أربعة مرات بحلول عام 2100، بينما يفتقد نصف العدد الموجود حاليا في القارة للكهرباء، نتحدث هنا عن أكثر من 600 مليون فرد.
أضف لذلك أن أكثر من ثلثي القارة يعتمد بشكل رئيسي على محطات الطاقة الكهرومائية، والتي تأثرت بشكل واضح بالجفاف، مما يدعو للشك في استمراريتها، مع ارتفاع متقلب في أسعار الوقود الأحفوري. بينما - في الجهة الأخرى - تنخفض أسعار تكنولوجيا الطاقات المتجددة بشكل ملحوظ لتدخل في لعبة الطاقة كمنافس غاية في الشراسة، يمكن لذلك النوع من الطاقة تأمين الكهرباء لأكثر من 600 مليون فرد في القارة، سوف يساعد ذلك فيما بعد على حل مشكلات النمو الاقتصادي المتراجع، لكن بالطبع تبقى عدة تحديات، تتمثل معظمها في تمويل كل ذلك الحلم الضخم.
مبادرات وتحديات في الأفق
في ديسمبر 2015 أعلنت مبادرة1 الطاقة المتجددة الأفريقية (AREI) في مقدمة مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي الأخير بباريس عن مشروع ضخم يهدف لتحقيق 20 جيجاوات من الطاقة النظيفة بحلول عام 2020، مع رفع القدرة حتى 300 جيجاوات بحلول عام 2030، كمساهمة من الدول الأفريقية في دعم التوجهات النظيفة لمواجهة التغير المناخي، تبع ذلك إعلان فرنسا المساهمة بمبلغ 2 مليار يورو للعمل على مشروعات الطاقات النظيفة بأفريقيا2.
برامج أخرى، كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بدأت بالعمل على توعية سكان القارة بأهمية الطاقة النظيفة، ودورها في تأمين الوظائف لهم وتحقيق التحسن الاقتصادي الذي يتمنونه، بينما في جنوب أفريقيا عملت الإدارة السياسية على بدء المبادرة الجنوب أفريقية للطاقة المتجددة3 (SARI) بتمويلات خارجية وداخلية، حيث نجح البرنامج بعد دورته الأولى في بناء 19 مشروع خاص بالطاقة النظيفة، ثم 28 مشروع في دورته الثانية، ثم 17 في دورته الثالثة، و26 مشروع ذا علاقة بالطاقة النظيفة في الدورة الرابعة، لنحصل على ما مجمله 6100 ميجاوات من الكهرباء.
في كينيا، تغطي المزارع التي يمكن أن تحتوي على وحدات لطاقة الرياح مساحة 162 كم مربع، مما يجعل من مشروع محطة4 بحيرة توركانا لطاقة الرياح أكبر استثمار خاص في تاريخ البلاد، حيث يطمح المشروع لتأمين 310 ميجاوات من الطاقة النظيفة للحكومة الكينية ما يمثل 17% من احتياجات الدولة، بدأ المشروع في 2006، بينما بدأ العمل الفعلي في 2015 ومن المتوقع أن ينتهي في 2018، في 2016 وصلت للبلاد 30 توربينة رياح لتبدأ البلاد في الحصول على 50 ميجاوات قريبة.
بجانب مشكلات التمويل، تعاني الدول الأفريقية في المجمل من مشكلات عدّة أخرى، مثل نقص البيانات الخاصة بتحديد المناطق المناسبة في القارة وصناعة خرائط للأماكن المثلى التي تتواجد فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن تعاونا بين الوكالة الدولية للطاقة المتجددة5 (IRENA) ومعمل لورانس باركلي القومي بعمل مخططات لمناطق الطاقة المتجددة ضمت 21 دولة أفريقية، سوف تسهل تلك الخرائط عمل الشركات الطامحة للاستثمار في الطاقة بتلك المناطق.
تبقى أحد المشكلات الهامة هي توصيل تلك الكهرباء التي حصلنا عليها، حيث في الكثير من الدول لا نجد شبكات لتوصيل الكهرباء بسهولة عبر المدن والقرى، هنا تطرح العديد من الحلول نفسها على الساحة، حيث يمكن أن يحصل كل مجموعة سكانية على الطاقة الخاصة بها من وحدات قريبة، مشاريع مشابهة نجدها في قرية باتوكنكو بجامبيا، والتي تؤمن الطاقة من الرياح لألفي شخص، لكن ذلك لا يمنع حاجتنا لشبكات الكهرباء، هنا يمكن للدول الإفريقية أن تتطلع للتجارب الدنماركية والألمانية في صنع شبكات مرنة ورخيصة.
إذا كان هناك مستقبل للطاقات النظيفة في العالم، فإن هذا المستقبل يمكن بناؤه في أفريقيا، خاصة مع6معدلات نمو مرتفعة للبحث العلمي في دول القارة بداية من العام 2000، فبعد كم ضخم من الحروب والكوارث الاقتصادية بدأت بعض الدول التي تقع تحت الصحراء الكبرى في اعتماد البحث العلمي كوسيلة لتقدم اقتصادي، بل أنه في 2006 اتفقت دول الاتحاد الأفريقي أن تنفق كل منها ما قيمته 1% من الناتج المحلي الإجمالي في البحث العلمي والتنمية، رغم ذلك لا تزال هناك العديد من التحديات في مواجهة البحث العلمي في القارة السمراء، تتعلق بالفساد الإداري، سوء التخطيط، والحاجة للمزيد من التمويل.
يمكن القول إذن أن أفريقيا هي أرض الفرص والتحديات، بالتساوي، فعلى مدى السنوات العشرين الفائتة بدأت العديد من المبادرات في العمل معا على الأرض في عدة مجالات تتعلق معظمها بإنشاء سوق ثابتة للطاقة النظيفة، لكن تظل العديد من الأمور على المحك، ونظل بعيدين عن تحقيق درجة كبيرة من التقدم وتحقيق أحلامنا في ذلك المجال، لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن العمل يجري على قدم وساق من أجل خلق أفريقيا جديدة، قارة قد تمد كل العالم يوما ما بطاقات نظيفة مستدامة، فتنقذنا من السقوط في بئر التغيرات المناخية، لتكون أفريقيا مرسى سفن العالم الهاربة نحو الأمل، فتصبح بالفعل هي رأس "الرجاء الصالح" (Cape of good hope).