قصة: «الزجاجة المجانية» .
في تلك الظهيرةِ الصيفيةِ الحارَّة، لم يكن أمامي مفرٌّ من أنْ أقصد إلى هذا المحل الصغير المتواري بجوار مدخل بنايةٍ قديمةٍ، لأشتري زجاجةَ مياه، تروِّض ظمئي الذي لا سلطانَ لأحدٍ عليه، عبرتُ عتبةَ المحل، وقبل أنْ أخبر البائعَ بما أريد، استوقف عينيَّ رجلٌ كهلٌ يبدو على ملامحه الإحباط، كان ينقل عينيه بوجلٍ بين أربع سيجاراتٍ مستقراتٍ بيده، والعلبة التي أخرج له البائع منها السجائر، نظرتُ للعلبة، فوجدتُ عليها التحذير الشهير (التدخين يدمِّر الصِّحة ويسبب الوفاة) أسفل صورةٍ صادمةٍ لرجلٍ مريضٍ بسرطانِ الوجه، الكهل ينظر للعلبة والسجائر في رعبٍ شديدٍ جعله يقول للبائع أنه يريد سجائره من العلبة المرسوم عليها صبي بجوار أمه (وهي - بالمناسبة - تظهر أمًّا وابنها محاطَين بدخان السجائر، وعلى وجهيهما علامات ضيق التنفس، وهذه الصورة - بلا شك - أخفُّ وطأةً في رأيه من سرطانِ الوجه). قال له البائعُ إنه لا فرق بين علبةٍ وأخرى، ولم أفوِّت أنا الفرصةَ في أن أقدِّم له النصيحة، فقلتُ له بحكمةٍ، إن القيمة الغذائية للسجائر واحدة في جميع الحالات، فما كان منه إلا أن التقط بغضبٍ زجاجةَ مياهٍ من أمام البائع، وقذفني بها، وأنا أركض هاربًا من غضبته، ولتعلم أيها القارئ أنني في تلك الظهيرة الصيفية الحارَّة، حصلتُ على زجاجةِ مياهٍ، بقليلٍ من الجهد العضلي، دون أن أنفق جنيهًا واحدًا.