لعبة المال
كلنا يطمح في أن يملك أطراف الدنيا بين يديه .
ومعظمنا يوجز كل أحلامه وأمانيه ومنتهى غايته وأمله في المال ، ويرجع بؤسه وألمه واضطراب حياته إلى قلة موارده المادية .
يقول أحد من أفنوا حياتهم في جمع المال ، الملياردير الأمريكي الشهير بول جيتي : ( إن المال لا يستطيع شراء الصحة ولا السعادة ولا الحنان ولا سهولة الهضم).
ما أخطر( لعبة المال ) ، والتي تجبرنا أن نصرف جل تفكيرنا واهتمامنا وجهدنا فيالحصول عليه ، ظانين أننا في النهاية سنمتلك السعادة التي نطمح إليها ..وهيهات .
لن يستطيع أحد إنكار ما للمال من أهمية وقوة ، أو إغفال ما له من تأثير وسحر ، وأنه يدعم بلا شك من يريد أن يكون سعيداً .
لكنه أبداً ليس جوهر السعادة ومنبعها ، وليس هناك أبسط من أن تقلب ناظريك في الحياة لترى كثر من أصحاب الملايين ، تخاصمهم السعادة ، ويرافقهم البؤس والشقاء في كل خطوة من خطواتهم .
نعم هناك أغنياء سعداء ، لكنك لو فتشت لديهم لوجدت المال عنصراً ضئيلاً جداً في منظومة السعادة ، وأن المحرك الأول ، والمحور الأهم هو الرضا والقناعة وطمأنينة النفس وهنائها .
والرسول عليه السلام، يخبرنا بسر خطير من أسرار لعبة المال ، من فقهه وأحسن فهمه وإدراكه كان في السباق متصدراً ، يقول : ( من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، ثم أتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولن يأته من الدنيا إلا ما قُدر له).
وليس المقصود بـ (الآخرة همه) هو ترك الدنيا وزهد الحياة ، وإنّما في الارتقاء في الطلب والترفع عن الركض اللاهث خلف الدرهم والدينار ، فإحدى حكم الأيام أن الدنيا وزينتها كالمرأة اللعوب تأتيك إذا ما أعطيتها ظهرك ، و تجافيك إذا أقبلت عليها في لهفة وشوق .
وكلّما كان المرء منّا شديد الثقة في الله ، مطمئناً إلى أن رزقه لن يذهب لغيره ، مدركاً لفلسفة الرزق، متيقناً بأن نعم الله لا يمكن النظر إليها من الزاوية المادية فحسب ، كلما كان نصيبه من كعكة السعادة أوفر.
وما أجمل قول نبي الرحمة ، وهو يهيب بكل جازع أن يهدأ ويستكين ، ويطمئن جنانه إلى أن نصيبه من الرزق لن يأخذه غيره ، وأنه آتيه لا محالة ، إذ يقول : ( ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس . وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كُتب له من الرزق ، فأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ).
ما أشد ما يعتصر قلبي من ألم وحزن وأنا أرى صديقاً لي ، أوتي من نعيم الدنيا الشيء الكثير ، فهو في عيون أقرانه الأغنى والأكثر نفوذاً ، والأسعد حظاً .
لكن قلبه يقطر ألماً وهو ينظر للأطفال وقد حُرم من الإنجاب .
وأكاد أجزم أنه لن يتواني لحظة في التضحية بما لديه من نعم الحياة ، من أجل كلمة ( أبي) يرددها على سمعه طفل من صُلبه .
حمداً لله ، على قلب ينبض ، وعين ترى النور ، ويد تصرف الأمور ، وقدم تحملنا إلى حاجتنا بدون مساعدة من أحد .
حمداً لله على زوجة نأوي إليها ، وبيت يضمنا بين زواياه ، وعمل يكفينا مذلة السؤال .
الحمد لله على ستره الجميل ، وعطائه الجزيل ، وكرمه الممدود .
هل تريد أن تدرك يا صديقي سر المال ؟ .
سل من قُطعت يده ، بكم يشتري يداً ؟ .
ومن فقد قدماً ، بكم يشتري قدما ؟ .
ومن حُرم الأبناء بكم يشتري طفلاً ؟ .
ستعرف وقتها ، أن تأنقك في الحياة ، ومشيك مختالاً بصحتك الوارفة ،هازاً ذراعيك في الهواء ، رافعاً رأسك في ثقة لا يقدر بثمن .
وأن لعبة المال .. لا يربح فيها أحد .
إشراقة : إن رجلاً بلا مال هورجل فقير، ولكن الأفقر منه ـ إذا أردنا أن نغوص نحو الأعماق ـ رجل ليس لديه إلاّ المال .