اسمها ونسبها

عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم القرطبية (توفيت 400هـ = 1009م)، أديبة شاعرة كاتبة فنانة، عاشت في القرن الرابع الهجري الذي شهِدَ فيه القطرُ الأندلسيّ نهضة علمية واسعةً ونشاطًا أدبيًا وثقافيًا عامًا، برز فيه أعلامٌ من الكتّاب والشعراء والمؤلفين، وكان هذا القرن مهادًا للقرن الخامس التالي، الذي بلغ بالأدب والعلوم والفنون الذروة.

مكانة المرأة الأندلسية

وكان للمرأة الأندلسية ظهورٌ منذ وقت مبكر في عالم الفِكْر، وخصوصًا في العلوم الشرعيّة، والفنون الأدبيّة؛ فكانت تقوم بمهمّة المعلّم والمؤدّب والمربّي، وبرعت كثيرات منهنّ في تعليم الخَطّ، وكتابة المصاحف الشريفة، ونسخ الكتب النّفيسة. ولتقدير المرأة في الأندلس، وإتاحة الفُرصة أمامها في مجال التّعليم والتأليف وما يتعلّق بهما، فقد برزت فُضْلَيات كثيرات في جوانب متعدّدة من الأدب والعلوم والفنون، فكانت عائشة بنت أحمد واحدةً من هؤلاء، وهي محظوظة لأنّ التاريخ سجّل اسمها وأسماء عدد آخر من بنات جنسها، في حين أغفلَ عددًا كبيرًا من الأندلسيات اللواتي أسْهَمْنَ في الحركة الثقافِية الأندلسيّة آنذاك.

تنتمي عائشة إلى أسرة اشتهرت بجوانب ثقافيّة وعلميّة متعدّدة، وهي أسرة امتدّت في الزمان، وثمة ترجمة لبعضهم في القرن السابع الهجري.

مناقب عائشة القرطبية

ومن وَصْف ابن حيان صاحب "المُقتبس" لعائشة قوله: "لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس مَنْ يَعْدِلُها علمًا وفهمًا وأدبًا وشعرًا وفصاحةً، تمدحُ ملوك الأندلس وتخاطبهم بما يَعْرِض لها من حاجة، وكانت حسنة الخَطّ، تكتب المَصاحف".

وفي كتاب "المُغرب": "إنها من عجائب زمانها وغرائب زمانها، وأبو عبد الله الطبيب عمّها ولو قيل إنها أشعر منه لجاز". وكانت عائشة "أُخت الرجال" تَمْدَحُ، وتدخل بشعرها على بعض ذوي الشأن والمكانة، فقد كانت كاتبةً شاعرةً نابهةً في نظم الشعر، وترتجل في المناسبات الطارئة.

دخلت يومًا على المظفر بن أبي عامر، وبين يديه ولد من أولاده، فأنشدت:

أراكَ اللهُ فيه ما تُرِيدُ *** ولــا بَرِحَت معاليه تزيدُ

فقد دلَّت مَخَايِلُهُ على ما *** تُؤَمّله، وطالعــه السعيدُ

تشوّقت الجيادُ لهُ وهَزّ الـ *** حسامُ هوى وأشرقت البنودُ

فسوف تراهُ بَدرًا في سَماءٍ *** مــن العليا كواكبه الجنودُ

وكيف يخيب شِبل قد نَمَتْهُ *** إلــى العليا ضراغمةٌ أُسودُ

فأنتم آلَ عامِرَ خيرُ آلٍ *** زكــا الأبناءُ منكــمْ والجدودُ

وَلِيدُكمُ لدى رأي كشيخ *** وشيخكُم لدى حَرْبٍ وَلِيْدُ

وأثنى "بالنثيا" على عائشة في بنات جنسها وبلدها: "كان الشعر في الأندلس يجري على ألسن النساء فبرع فيه منهن نفر نذكر منهن عائشة بنت أحمد" وزاد "عشقت أحد أبناء المنصور وقد ولعت به" ولم أهتد إلى مصدره في هذا.

ثقافة عائشة القرطبية

ويُستخلص من أخبار عائشة القرطبية وشعرها الباقي أنها كانت أديبة مُتقنةً تعتني بفنون من العلم، وشاعرة بارعة تنافس الشعراء: جودة شعر، وقدرة على النظم بداهةً، وكاتبة مترسّلة على رسائلها علامات الجودة والفصاحة والبيان، وحسنة الخط تكتب المصاحف، وتَنسَخُ الكتب النفيسة، وكانت تَجمَعُ الكتب (تشتريها لخزانتها الخاصة)، فصيحة بليغة. قال في الصلة: كانت "تبلغ ببيانها ما لا يبلُغه كثير من أدباء وقتها ..".

ومن الناحية الاجتماعية، كانت تفِدُ على الحكام وذوي الشأن؛ تمدح، أو تقضي مصالح وشؤونًا لها ولغيرها، وكانت غنية ذات ثروة، وكانت تعين ذوي الحاجات من مالها، وكانت متمكِّنةً في شخصيّتها، تخاطب من تشاء مشافهةً أو مراسلةً.

ومن شعرها إلى أحد الرؤساء:

لولا الدموع لما خشيتُ عَذُولًا *** فهي التي جعلتْ إليك سبيلا

وعلى تلك الصّفات والمَزايا في شَخْصِها وشَخْصِيَّتها لم تتزوج قط.
__________________
المصدر: الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثاني عشر، ص763.
مراجع للاستزادة:
- ابن بشكوال، الصلة (الدار المصرية للتأليف، القاهرة،1966م).
- المقري، نفح الطيب، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت 1968م).
- السيوطي، نزهة الجلساء في أخبار النساء (مكتبة القرآن، مصر).
- زينب فواز، الدر المنثور (بولاق، القاهرة ).